محمد فخر الدين
03-21-2009, 08:23 AM
غسـل الأمــوال
دكتور / محمد نبيل غنايم
أستاذ ورئيس قسم الشريعة الاسلامية
بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة – مصر
ملخص البحث
هذا البحث عن "غسل الأموال" وهو أحد موضوعات المحور الثانى من محاور المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خلال شهر المحرم 1424هـ .
ويقع البحث في خمسة مباحث، تناول المبحث الأول بيان معانى الألفاظ : غسل– أموال – غسل الأموال . وانتهى الى أن المصطلح الحديث الشائع اليوم في مجال الاقتصاد لا يمت إلى المعنى الحقيقى للغسل، بل إنه جريمة مركبة ذات أبعاد وآثار اقتصادية واجتماعية خطيرة جعلت العالم كله يسعى الى مكافحتها والقضاء عليها .
أما المبحث الثانى فيتحدث عن الأموال الحلال وطرق الكسب المشروعة ويتحدث المبحث الثالث عن الأموال الحرام وطرق الكسب غير المشروعة ويتحدث المبحث الرابع عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها وذلك ببيان كيفية التطهير المطلوب في المال الحلال عن طريق إخراج الزكاة والنفقة الواجبة والكفارة وغير ذلك، وكيفية التطهير المطلوب في المال الحرام إما بالتخلص منه كلية او من الجزء المحرم فيه، أو برد الحقوق الى أصحابها … وهكذا، أما المبحث الخامس فعن الغسل غير الشرعى للأموال الحرام وهو بيت القصيد وجوهر هذا البحث لأنه تصدى لهذه الظاهرة وبين خطورتها وحجم انتشارها وما نشأ عنها من فساد، ثم تحدث عن الجهود المحلية والعالمية لمكافحتها والقضاء عليها وأخذ من جهود مصر وما سنته من قانون لذلك نموذجا ومثالا، ولم يغفل الجهود الدولية الأخرى في هذا الصدد.
وانتهى البحث الى ان مصطلح " غسل الأموال " حق يراد به باطل وأنه لا يعنى الغسل الشرعى الصحيح والواجب بل يعنى جريمة مركبة من عدة جرائم لا تمت الى الغسل بصلة بل تقوم على قذارة واضحة، وناشد البحث أولياء الامر أن يصادروا تلك الأموال ويعزروا أصحابها بما يستحقون من العقاب.
مقدمـــة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد،،،
فيسعدنى أن أتقدم بهذا البحث في موضوع "غسل الأموال" للمشاركة في أعمال المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى خلال شهر المحرم 1424هـ- مارس 2003م.
ويتكون هذا البحث من خمسة مباحث :
المبحث الأول : في تحديد المصطلحات : غسل، أموال، غسل الأموال.
المبحث الثانى : الأموال الحلال وأنواعها.
المبحث الثالث : الأموال الحرام وأنواعها.
المبحث الرابع : غسل الأموال الشرعى.
المبحث الخامس : غسل الأموال غير الشرعى.
ثم الهوامش، وفهرس المراجع.
ونظرا لحداثة الموضوع وقلة مصادره كان لا بد من إلقاء الضوء على جميع الجوانب من خلال المراجع العامة والدوريات اليومية.
تناولت في المبحث الأول تعريف الغسل وتعريف الأموال، وتعريف المركب "غسل الأموال" من خلال المعاجم وكتب التفسير والفقه، وغسل الأموال كمصطلح حديث له معنى مجازى . وفى المبحث الثانى بينت الأموال المشروعة وأسباب التملك والعمل المشروع من خلال كتب التفسير والفقه، أما المبحث الثالث فتناولت فيه الأموال الحرام وأنواعها وأسباب تحريمها وما يتفرع عنها وأفدنا في ذلك من بعض المراجع الحديثة مع المراجع القديمة، وفى المبحث الرابع تحدثنا عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها الحلال والحرام وكيف يكون ذلك في كل منهما، أما المبحث الأخير الخامس فتناولت فيه الغسل غير الشرعى للاموال الحرام وهو المراد هذه الأيام وهو الجريمة الاقتصادية التي نحن بصددها وقد بينت في هذا المبحث مدى خطورة وحجم هذه الجريمة والجهود الدولية والمحلية لتجريمها ومكافحتها وفيه اعتمدت على الدوريات .
أرجو أن أكون قد وفقت والله من وراء القصد.
! ! !
المبحث الأول
تحديد المصطلحات : الغسل – الأموال – غسل الأموال
يعتبر مصطلح " غسل الأموال " من المصطلحات الاقتصادية حيث لم يعرف ولم يتداول ولم يتنبه له الا منذ سنوات معدودة حيث بدأت إجراءات المراقبة والتجريم والمصادرة وتكوين إدارات خاصة بتتبع ذلك وهكذا .
يقول الدكتور محمد عبد الحليم عمر : وفى هذه الأيام زادت ظاهرة الكسب والصرف غير المشروعين سواء من حيث عدم المشروعية الدينية او عدم المشروعية القانونية، وظهر ما يعرف في المجال الاقتصادى بالاقتصاد الخفى او الاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل والتي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة تضر بالاقتصاد القومى وبحقوق الآخرين، ونظرا لخوف هذه الفئة التي تكسب أموالا غير مشروعة من المساءلة القانونية، وخشيتهم من الناس ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية "غسل الأموال " والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة الاخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للاموال باساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية وادخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها . (1)
ولما كان الامر بهذه الحداثة رأيت أن أبدأ بتأصيل المصطلحات لننطلق منها الى ما نحن بصدد بحثه وحتى يكون التحديد واضحا نعرف كل لفظ على حدة ثم نأخذ من ذلك المصطلح المركب ومعناه.
وكلمة "غسل" وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات هى قوله تعالى في الوضوء ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق …( (2) وقوله في الطهارة من الجنابة ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا ( (3) وقوله تعالى لأيوب عليه السلام ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب( (4) فهي تعنى الطهارة بالماء من الحدث الأصغر والأكبر كما تعنى إزالة النجاسة وتطهير الموضـع الذى أصابته بالماء، ولذلك يعبر عن الغسل بالتطهير كقوله تعالى ) وإن كنتم جنبا فاطهروا( (5) أي اغتسلوا، وقوله ) وثيابك فطهر ( (6) أي اغسله ونظفه من النجاسة، وقوله ) فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ((7) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة فكلمة "غسل" مصدر يدل على النظافة والطهارة .
تقول المعاجم : غسل الشيء يغسل غسلا : أزال عنه الوسخ ونظفه بالماء، ويقال : غسل الله حوبته : طهره من إثمه .. وغسل الأعضاء : بالغ في غسلها والميت: طهره ونقاه، واغتسل بالماء : غسل بدنه به، والغسل : تمام غسل الجسد كله، والمغتسل : مكان الاغتسال والماء الذى يغتسل به.."(8)
والأموال جمع مال، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم ستا وثمانين مرة مفردة وجمعا ومضافة فمن ذلك قوله تعالى ) وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين ( (9) وقولـه ) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ( (10) وقوله ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ( (1) وقوله ) شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ( (12) وقوله ) والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم ( (13) إلى غير ذلك من الآيات وهى في جميع المواضع تعنى ما يمتلكه الإنسان ويتموله ويتبادله مع غيره عينا أو نقدا او منفعة .
قالت المعاجم : مال يمول مولا ومؤولا : كثر ماله فهو مال، وهى ماله وفلانا اعطاه المال، موله : اتخذه قنية، والمال : كل ما يملكه الفرد او تملكه الجماعة من متاع او عروض تجارة او عقار او نقود او حيوان والجمع أموال، وقد أطلق في الجاهلية على الإبل، ويقال : رجل مال : ذو مال (14)، وليست المعانى الشرعية للغسل والمال بعيدة عن هذه المعانى اللغوية بل تكاد تتفق معها فالغسل في الشرع هو تعميم البدن والشعر بالماء مع النية كما جاء في قول ابن قدامة في الكافى والمغنى (15) وقول القرطبى على المغسول ولذلك فرقت العرب بين قولهم : غسلت الثوب وبين قولهم أفضت عليه الماء وغمسته في الماء، اذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجنب يصب على جسده الماء او ينغمس فيه ولا يتدلك فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه حتى يتدلك وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء : يجزئ الجنب صب الماء والانغماس فيه اذا اسبغ وعم وان لم يتدلك (16) والاختلاف في الجنب لا يعنينا في هذا المقام إنما أردنا بيان حقيقة الغسل عند جمهور العلماء وهى الصحيحة المتفقة مع اللغة والنصوص الشرعية.
وكذلك المال قال القرطبى : ذهب بعض العرب وهم دوس الى ان المال الثياب والمتاع والعروض، ولا تسمى العين مالا، وقد جاء هذا المعنى في السنة الثابتة، من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلى عن أبى الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبى هريرة قال : خرجنا مع رسول الله r عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا الا الأموال الثياب والمتاع ..، وذهب غيرهم الى ان المال الصامت من الذهب والفضة وقيل : الإبل خاصة، ومنه قولهم : المال الإبل، وقيل جميع الماشية، وذكر ابن الانبارى عن احمد بن يحيى ثعلب النحوى قال : ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال وأنشد :
والله ما بلغت لى قط ماشية حد الزكاة ولا إبل ولا مال
قال أبو عمر : والمعروف من كلام العرب ان كل ما تمول وتملك هو مال لقوله r " يقول ابن آدم مالى مالى، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى او لبس فأبلى أو تصدق فأمضى" وقال أبو قتادة : فأعطانى الدرع فابتعت به مخرفا – بضع نخلات – في بنى سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام، فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن الا ان ينوى شيئا بعينه فيكون على ما نواه، وقد قيل : إن ذلك على أموال الزكاة، والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالا والله أعلم (17) وهذا الذى قاله القرطبى في النهاية هو الصحيح فالمال هو كل ما يتملكه الإنسان من ذهب أو فضه او زروع او حيوان او منافع او عروض تجارة الى غير ذلك من الأنواع.
نأتي بعد هذين التعريفين لكل من : الغسل، والأموال للتعريف باللفظ المركب منهما فيكون غسل الأموال هو تطهيرها من كل قذارة ونجاسة، وتلك هى الطهارة الحسية، وتكون بإزالة النجاسات كالروث والدم ونحوها من الممتلكات كالثياب والمكان ونحوها، كما يتم تطهيرها حسيا باستبعاد ما هو محرم منها كفوائد البنوك والرشوة والغصب والسرقة ونحو ذلك من الميتة والخنزير ويتم تطهيرها معنويا وحسيا باخراج نصيب الفقراء والمساكين منها بأداء الزكاة المفروضة وما سواها من حقوق، فان كان المراد بغسل الأموال تلك الطهارات الحسية والمعنوية فهي إرادة صحيحة لأنها مطلوبة شرعا أما إن كان المراد بها تحويل الأموال القذرة من الكسب غير المشروع بأي وسيلة محرمة تبدو في ظاهرها مشروعة كالمصانع والعقارات والاراضى الزراعية لايهام الناس والمسئولين أنها مصادر شرعية وكسب مشروع واخفاء حقيقتها القذرة ومصادرها الخبيثة من مخدرات وغيرها فذلك كذب وبهتان وزور ونفاق يبقى على حقيقته كسبا خبيثا ويضيف الى ذلك تلك الإجراءات الكاذبة والتمويهات الباطلة من عمليات التحويل والبيع والشراء فتضيف الى القذارة قذارة والى الأموال النجسة عمليات وإجراءات لا تقل عنها نجاسة، فأين يكون الغسل والتطهير حينئذ ؟! إنه أبعد ما يكون عن ذلك وهذا المعنى الثانى وللأسف الشديد هو المعنى المراد في هذه الأيام في نظر الاقتصاديين فمصطلح "غسل الأموال" يطلق الان على ما يسمى بالاقتصاد الخفى والاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل التي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة، ولخوف أصحابها من المساءلة القانونية وخشيتهم من الناس فانهم يلجأون بعد كسبها في غفلة من القانون او تواطؤ من القائمين عليه او في بلد اخر الى تحويل هذه الثروة غير المشروعة الى ثروة تبدو في ظاهرها مشروعة كشراء أراض زراعية او بناء عقارات او إنشاء مصانع او ايداعات في البنوك او مشاركة الآخرين، وفى ذلك قال الدكتور محمد عبد الحليم عمر " ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية غسل الأموال والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة إخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للأموال بأساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية ‘ وإدخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها " (18) ومن هذا يتبين ان مصطلح غسل الأموال " مصطلح مجازى" تم فيه تشبيه الأموال القذرة بالجنب او الشئ النجس ثم حذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الغسل بالماء بقصد الطهارة والتطهير، وهذا المجاز في غير محله لأنه اذا صح في حال رد الحقوق الى أصحابها وأداء الزكاة وإزالة النجاسات فانه لا يصح في عمليات النصب والكذب والخداع التي ظاهرها الغسل والتطهير وحقيقتها المزيد من القذارة والنجاسة بالكذب والخداع وإجراء العمليات المشروعة ظاهرا.
بهذا يكون قد تبين لنا حقيقة مصطلح " غسل الأموال " والمراد منه في الاقتصاد وهذا يقتضى أن نقوم ببيان الأموال المشروعة بإيجاز والأموال غير المشروعة وكيفية تطهير كل منهما بالصورة الشرعية لنحكم بعد ذلك على عملية غسل الأموال الحديثة الحكم الشرعى الصحيح . وهذا ما يتبين في المباحث التالية.
! ! !
المبحث الثاني
الأموال المشروعة (الحلال) وأنواعها
فطر الله تعالى الإنسان على حب المال وجعله سبحانه وتعالى زينة الحياة الدنيا وأمر الله تعالى بالمحافظة عليه وجعل ذلك من الكليات والضروريات الخمسة قال تعالى ) المال والبنون زينـــة الحيــــاة الدنيــــا ( (19) وقال ) وتحبـــــون المال حبـا جما ( (20) وقـال )زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( (21) وجعل المال أساسا وقياما للحياة لا يجوز العبث به او إتلافـه أو اعطاؤه للسفهاء فقـال ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها وأكسـوهم وقولوا لهم قولا معروفا ((22) وأمر سبحانه من يعتدى على مال الغير بالاتلاف أن يضمن ما أتلفه وبالقطع على من يسرق قال تعالى ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزءا بما كسـبا نكالا مـن الله والله عزيز حكيم ( (23) والنصوص كثيرة في بيان قيمة المال وأهميته وحرمته والاعتدال في انفاقه بلا إسراف ولا تقتير كما قال تعالى
) ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا … ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقـــك ولا تبســــــطها كل البســـــــط فتقعد ملوما محسورا ( (24) إلى غير ذلك . ولما كان الإنسان مفطورا على حب المال فقد يسر الله تعالى له أسباب كسبه ونبهه إليها، وحثه على السعى فيها وعدم تجاوزها وحذره من غيرها وحرمها عليه وتوعده على تحصيلها بالعقاب في الدنيا والاخرة قال تعالى ) هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( (25) فالاسلام يأمر الإنسان بكسب المال عن طريق السعى في الأرض والعمل الجالب للكسب، ويبيح له بالتالى تملك المال والاستمتاع به، على أن يكون ذلك كله بالطرق المشروعــة التي ترضى الله، وتكسب الإنسان ثواب الدنيا والاخرة (26). وحتى يتحقق ذلك ربط الله تعالـى بين عبادته وكسب المال فقال سبحانه ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( (27) وقد يسر الله تعالى للإنسان أسباب الكسب الحلال والتملك المشروع وبسطها بين يديه وهى تحقق للإنسان الاكتفاء والغنى فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1- جميع الاعمال الزراعية ما عدا النباتات المحرمة كالأفيون أو البانجو أو القات أو الدخان، وقد حث الإسلام على ذلك النشاط ورغب فيه وامتن الله على عباده بتيسيره فقال سبحانه ) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ( (28) وقال ) فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم ( (29) وقال ) وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( (30) وقال ) وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( (31) وقال ) وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفى الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( (32) ويقول سبحانه ) أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( (33) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة ومن الأحاديث قــــــول النبى r " إذا قامت الساعــــــة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها " (34) وقوله " ما من مسلم يغرس غرسـا أو يزرع زرعـا فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طيـر أو بهيمة إلا كان له به أجر" (34) إلى غير ذلك من الأحاديث التي ترغب في هذا العمل وتحث عليه لما فيه من تحقيق الاكتفاء والتعرف على آيات الله وقدرته ثم شكره وعبادته، وقد عرفت الزراعة منذ نشأة الخليقة فكان النبات أولا ثم كان الحيوان كما استنبط ذلك بعض العلماء من قوله تعالى ) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ( (35) وتعتبر الزراعة أساسا لجميع الموارد الاقتصاديــــــــة الأخرى من تجارة وصناعـــــة وحرف ولذلك قال الله تعالى ) ولقد مكانكم في الأرض وجعلناكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ( (36) قال القرطبى : أى جعلناها لكم قرارا ومهادا، وهيأنا لكم فيها أسباب المعيشة، والمعايش جمع معيشة أي ما يتعيش به من المطعم والمشرب وما تكون به الحياة، يقال عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة، وقال الزجاج : المعيشة ما يتوصل به إلى العيش" (37) .
2- التجارة وهى النشاط الاقتصادى القائم على تبادل السلع والمنتجات والاثمان بالبيع والشراء والشركة والاجارة والحوالة والرهن وغير ذلك من المناشط، ويجب ان تقوم على التراضى بين الأطراف المتبادلة وألا يدخلها غش او غبن او اكراه قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجـارة عن تراض منكم ( (38) وقال ) إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ( (39) وقال ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسـوله وجهـاد فـي سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين ( (40) قال القرطبى : والتجارة هى البيع والشراء، … والتجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذى يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الاعمال الصالحة التي هـى بعض من فعله، قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكــــــم من عذاب أليـــم ( (41) وقال تعالى ) يرجون تجارة لن تبور( (42) وقـال ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( (43) فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز تشبيها بعقود الاشرية والبياعات التي تحصل بها الأغراض، وهى نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه اولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار والثانى : تقلب المال بالاسفار ونقله الى الأمصار، فهذا اليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة غير أنه أكثر خطرا وأعم غررا، وقد روى عن النبى r أنه قال : إن المسافر وماله لعلى قلت – هلاك – إلا ما وقى الله يعنى على خطر، قال القرطبى قال الطبرى : ففى هذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول المتصوفة المنكرين طلب الاقوات بالتجارات والصناعات .. وقيل في التوراة : يا ابن آدم أحدث سفرا أحدث لك رزقا " ثم قال : اعلم أن كل معاوضة تجارة على أى وجه كان العوض إلا أن قوله " بالباطل " أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك، وخرج منها أيضا كل عقد جائز لا عوض فيه كالقرض والصدقة والهبة لا للثواب، وجازت عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها، فهذان طرفان متفق عليهما .. (44) وفى فضل التجارة والحث عليها روى الدار قطنى عن ابن عمر قال قال رسول الله r " التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة " وقال الرازى : التجارة عبارة عن التصرف في المال سواء كان حاضرا او في الذمة لطلب الربح يقال : تجر الرجل يتجر تجارة فهو تاجر، واعلم أنه سواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتجارة تجارة حاضرة فقوله تعالى ) إلا أن تكون تجارة حاضرة ( لا يمكن حمله على ظاهرة بل المراد من التجارة ما يتجر فيه من الأبــــــدال، ومعنى إدارتـــها بينهم معاملتهم فيها يدا يبد"(45).
3- الصناعة وهى وسيلة من وسائل الاقتصاد وكسب المال وتقوم على الزراعة والتجارة، فهي من جهة تحول المحاصيل الزراعية الى صناعات كثيرة وبخاصة القطن والكتان والذرة والمعلبات الغذائية والعصائر وغير ذلك كما تقوم على المعادن صناعات كثيرة، ثم يتم بيع هذه المنتجات تصديرا او استيرادا وتبادلا مما يحقق دخلا كبيرا وثروة عظيمة بل إن كثيرا من البلاد الفقيرة زراعيا استطاعت بالصناعة والتجارة ان تسبق كثيرا من البلاد الزراعية، كما أن كثيرا من البلاد غير الزراعية وغير الصناعية استطاعت بالوساطة التجارية أن تحقق عوائد كثيرة، والصناعة نشاط شرعى ذكره الله تعالى عن بعض الأمم السابقة والأنبياء فقد كان سيدنا نوح نجارا وقام بصناعة السفينة قال تعالى ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى في الذين ظلموا إنهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( (46) وقال عن قوم هود ) أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ( (47) وقال عن داود عليه السلام ) وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ( (48) وقال عنه أيضا ) وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير ( (49) وقال عن سليمان ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهرا وأسلنا عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدروا راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور ( (50)
4- وهناك مصادر أخرى للمال غير تلك المصادر العامة كالهبات والوصايا والميراث والدية وأروش الجنايات والصدقات والمهر والفئ والغنيمة يقول الرازى : واعلم أنه كما يحل المال المستفاد من التجارة، فقد يحل أيضا المال المستفاد من الهبة والوصية والإرث وأخذ الصدقات والمهر وأروش الجنايات فإن أسباب الملك كثيرة سوى التجارة " (51)، وما دام المال حلالا حيث تم اكتسابه بالأساليب الشرعية فإنه يحقق الملكية لصاحبه تلك الملكية التي تعنى الاختصاص به والقدرة او حق التصرف فيه وعن هذا المعنى يقول الدكتور محمد بلتاجى : " شرع الإسلام الملكية الفردية – بشروطها – فأباح لكل فرد أن يتملك – بالأسباب المشروعة – ما يشاء من المنقولات والعقارات وأباح له استثمارها والانتفاع بها في نطاق الحدود التي رسمها وخوله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها، وقد اعتبر الشارع المال من الكليات الخمس التي تقوم بها حياة الناس وشرع الحدود والعقوبات والزواجر للحفاظ عليها، ومن ثم جاء حد السرقة وحد الحرابة وجاءت النصوص المتعددة التي تنهى عن تعدى حدود الله، ومشروعية الملكية الفردية " بدهية لا تحتاج الى استدلال "(52) ثم قال عن أسباب هذه الملكية : يرى المرحوم الشيخ أحمد ابراهيم ان الإنسان يستفيد الملك وتثبت له حقوقه بالأسباب الآتية :
1وضع اليد على الشئ المباح الذى لا مالك له.
2العقود الناقلة للملك من مالك إلى آخر كالبيع والهبة والوصية.
3الميراث
4الشفعة وهى حلول الشريك أو الجار محل المشترى في ملكية العقار المبيع اذا طلب أحدهما ذلك، لكننا في هذا نلاحظ أن حصر أسباب الملكية الفردية في الأسباب السابقة يغفل أسبابا اخرى من أسباب الملك في الإسلام وهى العمل، والقتال، والجناية " (53) .
وهو بهذا يشير الى ما سبق أن بيناه من النشاط الزراعى والتجارى والصناعى ثم ما ذكره الرازى من الهبة والوصية والميراث والدية وأرش الجناية والصدقة والمهر وما أضفناه من الفئ والغنيمة والسلب ووضع اليد على الشئ المباح كإحياء الموات والصيد . وهذا يقودنا إلى معرفة المقابل وهو المال الحرام وذلك في المبحث التالى.
المبحث الثالث
الأموال الحرام وأنواعها
وهى الأموال التي تكتسب او تحاز بطرق غير مشروعة وهى التي ورد النهى عنها، او ورد الحد على ارتكابها، او ورد وعيد شديد على حيازتها او سماها الله تعالى باطلا ويشمل جميع ما سبق فمما ورد النهى عنه دون الحد الربا، ومما ورد فيه الحد السرقة والحرابة، ومما ورد فيه الوعيد الشديد أكل أموال اليتامى ظلما وبيع الحر وأكل ثمنه وهكذا، ويمكن حصر هذه الأموال المحرمة في أصلين هما " أكل أموال الناس بالباطل " و " تعدى حدود الله في التصرفات المالية " أما الأول فقد أشار الرازى إليه اجمـــالا بقوله : " ذكروا في تفســـير الباطل في قولـــــــــه تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( وجهتين : الزور وأخذ المال باليمين الكاذبة وجحد الحق … الثانى : ما روى عن ابن عباس والحسن رضى اله عنهم أن الباطل هو كل ما يؤخذ من الإنسان بغير عوض … ويدخل تحته أكل مال الغير بالباطل، وأكل مال نفسه بالباطل .. أما أكل مال نفسه بالباطل فهو انفاقه في معاصى الله، وأما أكل مال غيره بالباطل فقد عددناه .. " (54)
وقال القرطبى في تفسير قوله تعالى ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( (55) الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد r والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغى وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك … وقال قوم : المراد بالآية ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( أي في الملاهى والقيان والشرب والبطالة، ومن أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل، ومن الأكل بالباطل أن يقضى القاضى لك وأنت تعلم أنك مبطل فالحرام لا يصير حلا لا بقضاء القاضى لأنه إنما يقضى بالظاهر، وهذا إجماع في الأموال .. ثم قال: المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها .. قال ابن عطية : وهذا القول يترجح لأن الحكام فطنة الرشاء الا من عصم وهو الأقل …. وقد اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه " (56) وقد علق الدكتور محمد بلتاجى على ذلك بقوله : فالباطل إذن هو ما جاء بخلاف قواعد الشرع، وقد نبهت آية البقرة إلى حرمة الاستعانة على ذلك برشوة الحكام ) وتدلوا بها إلى الحكام ( أما آية النساء فقد استثنت من أكل المال بالباطل ما كان ) تجارة عن تراض منكم ( لكن التراضى على ما حرمته الشريعة لا يغير وصف الباطل عن المعاملة لمجموع ما سبق، وإذن فالتراضى المعتبر المقصود في هذه الآية إنما هو التراضى في نطاق ما أذن فيه الشرع كما يقول ابن رشد : تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار ولا حرمة، إذ إن التراضى بما فيه ذلك " لا يحل ولا يجوز " (57) ولا يعطيه المشروعية إذ لا مشروعية إلا من قبل المشرع، ويستدل الإمام الشافعى لذلك بقوله : قلما نهى رسول الله r عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه r دون ما حرم على لسانه، فأصل البيوع كلها مباح اذا كانت برضا المتبايعين الجائزى الامرى فيما تبايعا الا ما نهى عنه رسول الله r منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله r محرم بأنه داخل في المعنى المنهى عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى " (58) ثم قال (59) : لقد نهت الشريعة عن ثمانية أمور رئيسية استتبع النهى عنها النهى عن أمور كثيرة تفصيلية تتصل بها وتؤدى إليها، أما الأمور الثمانية فهي : الربا، والغرر، والمقامرة، والغش، والغصب، والاحتكار، والرشوة، والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمور والخنزير والميتة والأغذية الفاسدة، وثمن الكلب، ومهر البغى، ثمن الحر.. الخ، وأما الأمور التفصيلية المتصلة بها والمؤدية إليها فهي مثل : النهـى عن التصرية (60)، وتلقى الركبان، والتناجش (61)، وبيع حاضر لباد، والبيع على بيع من سبقه، والمزابنة (62)، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع التمر بالثمر – مع الترخيص في العرايا (63)– والمنابذة (64)، والملامسة (65) وبيع الحصاة (66)، وبيع كالئ بكالئ (67) فجميع هذه المعاملات محرمة ومنهى عنها أصولا وفروعا أو إجمالا وتفصيلا وليس هذا محل عرضها بالتفصيل وبيان أسباب تحريمها وأدلته لذا نكتفى بالقاء الضوء عليها جملة . ولما كان الربا معروفا ننتقل إلى غيره . .
فالغرر : ما فيه جهالة أو خديعة أو مخاطرة ويتدرج فيه بيع الملامسة، وبيع حبل الحبلة (68)، وبيع الحصاة، وعسب الفحل (69)، والمعاومة (70)، وبيع السنين، وبيع العربون (71) ونحو ذلك مما فيه غرر كبيعتين في بيعة، وبيع وشرط وبيع وسلف وعن بيع السنبل حتى يبيض، والعنب حتى يسود، وعن المضامين والملاقيح، وكل ذلك ورد النص بالنهى عنه فهو حرام، والمسائل المسكوت عنها مختلف فيها بين الفقهاء، قال النووى : النهى عن بيوع الغرر يشمل مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع المعدوم، والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع والحمل في البطن، وثوب من أثواب، وشاه مبهمة من شياه " (72) .
والمقامرة : هى الميسر المنهى عنه بنص القرآن، وقد كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل أي يقامره على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه – أى غلبه ذهب بماله وأهله فنزلت أية النهى (73)، فكل معاملة يتحقق فيها معنى المقامرة أو المراهنة فهي حرام.
والغش : في كل صور المعاملات والتصرفات حرام فيدخل فيه كل محاولات إخفاء العيوب في المصنوعات والبضائع، كما يدخل فيه كل صور تزيينها واظهارها في وضع افضل من حقيقتها بالتدليس والخداع، وكل ما ينتج عن ذلك من أموال فهي حرام.
والغصب : استيلاء على مال الغير بغير حق، ففيه ظلم وقهر وتعد، وهو محرم بالكتاب والسنة والاجماع لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل.
والاحتكار : حبس ما يحتاجه الناس لإغلائه عليهم اضرارا بهم واستغلالا لحاجتهم واضطرارهم ففيه ظلم وسوء معاملة وشح وكل ذلك حرام وما ينتج عنه من مال ومكاسب فهو حرام وعلى ولى الأمر مقاومة ذلك ومصادرة هذه الأموال.
والرشوة : قصد لأكل أموال الناس بالإثم كما جاء في الآية الكريمة، ولكنها تشمل أيضا الحصول على ما ليس بحق مالا أو غيره لعموم أحاديث النهى عنها دفعا وأخذا وتوسطا بينهما، فكل ما يتم بذلك أو ينتج عنه فهو حرام.
والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمر والميتة والخنزير والاصنام، ومن ذلك سائر المخدرات الحديثة، وتجارة السلاح وتهريبه، وتجارة الأطفال والنساء والبغاء والسهرات الحمراء والرقص والتمثيل والغناء والموسيقى غالبا، والاشرطة المخلة بالاداب، ومحال عرضها، وبيع الأشياء المباحة لمن يعلم أنه يستخدمها في الحرام، ومما يلحق بالمخدرات الأدخنة والقات، فكل هذه المعاملات وما يشبهها يدخل في الأموال المحرمة التي لا يجوز اكتسابها . أما الأصل الثانى الذى يرجع إليه تحريم بعض الأموال فهو تعدى حدود الله في الإنفاق بالإسراف والتبذير أو البخل والتقتير، وتمييز بعض الأبناء بعطية دون الآخرين بلا سبب شرعى، والتحايل على أحكام الله في الميراث بالوصية أو المواضعة على إظهار بيع أو دين صورى لأجنبى، او التهرب من إخراج الزكاة ببيعها قبل الحول ثم شرائها وهكذا .
! ! !
المبحث الرابع
غسل الأموال الشرعى
عرفنا في المبحث الأول معنى الغسل وتبين لنا أنه في الأصل والحقيقة يعنى التطهير فاذا أضيف الى الأموال كان معناه تطهيرها من النجاسة الحقيقية كالميتة والخنزير والدم والخمر أو النجاسة المعنوية كحقوق الفقراء ونحوها في أموال الأغنياء، وهذا المعنى الأصيل أو الحقيقى هو ما نبين كيفيته في هذا المبحث في كل ما سبق بيانه من الأموال الحلال والحرام في المبحثين السابقين وهذا هو الغسل الشرعى المطلوب، أما غسل الأموال بالمعنى الخبيث والمصطلح الحديث الذى ظهر أخيرا بقصد تزييف الحقائق وإخفائها وإضفاء الشرعية على الأموال المحرمة بعدة إجراءات هروبا من القانون وخشية للناس فهذا سنتناوله في المبحث القادم إن شاء الله فلنبين الان الغسل الشرعى على النحو الآتي :
أولا : غسل الأموال الحلال:
ويتم ذلك باخراج الحقوق الشرعية الواجبة فيها في مواعيدها الشرعية ومقاديرها الشرعية كما فرضها الله تعالى وبينها رسوله r، وهذا الحقوق تتمثل فيما يلى :
أ- زكاة المال حسب أنواع المال ونصاب كل نوع والمقدار الواجب كل عام او عند الحصاد او الحصول على الركاز كما هو مقرر في السنة النبوية ، واخراج ذلك المقدار الواجب الى المصارف الشرعية المعروفة.
ب- زكاة الفطر المفروضة كل عام بمناسبة الانتهاء من صيام رمضان وبدء هلال شوال وعيد الفطر طهرة للصائمين وطعمة للمساكين.
ج- المقادير والوظائف التي يفرضها ولى الامر فوق الزكاة التي لم تتسع لحاجة الفقراء فيفرض على الأغنياء ما يسع الفقراء.
د- الكفارات الواجبة ككفارة اليمين والظهار والجماع في نهار رمضان، والفدية (74) .
هـ- الديات وأروش الجنايات كدية المقتول خطأ أو المقتول عمدا مع العفو عن القصاص أو ديات الأعضاء أو أروش الجروح.
و- النذور التي يفرضها المسلم على نفسه لله تعالى فإنها واجبة الوفاء.
ز- صدقة التطوع وأمثالها من الأوقاف والهبات والوصايا في وجوه الخير، وحقوق الجار، وحقوق الضيف.
ح- النفقات الواجبة شرعا للزوجة والأبناء والوالدين والخدم والبهائم والرقيق وأجور العمال ونحو ذلك من نفقة العدة والمتعة والحضانة والرضاعة، والمهر .
ط- الضرائب العامة التي يفرضها ولى الامر لمصلحة المجتمع : فهذه الأبواب كلها غسيل لا بد منه للأموال الحلال حتى تبقى على طهارتها ونقائها وحتى يبارك الله تعالى فيها وينميها، وإهمال هذه الحقوق او بعضها او التقصير في آدائها يشكل ذنبا عظيما عند الله، ويجب على ولى الامر مقاومته ومقاتلته، وينجس المال ويتلفه وينزع البركة منه، والآيات والأحاديث في وجوب تلك الأبواب والحث عليها وبيان فضلها، والتحذير من التقصير فيها والوعيد على إهمالها كثيرة ومجال تفصيلها في أبواب الفقه وكتبه وكتب التفسير والحديث .
ثانيا : غسل الأموال الحرام :
ويكون ذلك بالتخلص منها بالكلية، او بالجزء المحرم منها، وذلك عن طريق اعادة الأموال إلى أصحابها، او تعويضهم عما دخل في أموالهم من الغش والخداع والنقص، واصلاح البيوع الفاسدة وتصحيح المعاملات السيئة، وأساس ذلك كله التوبة النصوح، وهى كما نعلم لا تتحقق ولا تكون نصوحا حتى يقلع العاصى عن معصيته، ويندم على ارتكابها، ويعزم ويعاهد الله على ألا يعود إليها، ويرد الحقوق الى أصحابها، وتطبيق ذلك على الأموال الحرام التي سبق بيانها يكون بغسلها وتطهيرها إن كان خالطها حرام كالربا مثلا فقد قال تعالى ) وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ( أما ما زاد عن رأس المال بالمعاملة الربوية فهو حرام يجب التخلص منه وغسل رأس المال منه وذلك التصدق به على إحدى الجهات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، ومن أكل أموال الناس بالباطل غصبا أو رشوة أو غشا أو غررا عليه اعادة ذلك لاصحابه، ومن تاجر في المحرمات من مخدرات ورقيق وأغذية فاسدة ونحو ذلك لا بد ان يتجرد من كل ما دخله منها هذا فيما بينه وبين الله اذا أراد غسل ماله والتوبة النصوح ولا سبيل غير ذلك، وإن علم ولى الامر بسلوكه وعدم توبته قام بمصادرة أمواله وتعزيره التعزير المناسب على أكل الحرام وكسب الحرام . وفى ذلك يقول الدكتور محمد بلتاجى : لولى الامر ان يتلف بعض الملكيات الخاصة حماية للناس مما يمكن ان تسببه لهم من ضرر، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن القيم من تحريق الكتب المضللة وإتلافها (74) ويقاس على ذلك المطبوعات الضارة من صور وكتابة وغيرهما مما يمكن ان يتداول بين الناس فيؤدى الى الإضرار بهم، ومثل ذلك المواد الضارة كالأطعمة الفاسدة او المسممة ونحوها، وبداهة فان هذا لا يمنع من ايقاع عقاب تعزيرى آخر بمالك هذا او مقتنيه فقد عاقب عمر - رضى الله عنه – بإراقة اللبن الذى شابته صاحبته بالماء (75)، وذلك ان من أصول النظام الاقتصادى الإسلامي التزام الدولة الاسلامية بالإشراف على تطبيق المقـررات الاسلاميـة في المال وحمل الناس على ان تكون معاملاتهم في نطاق ما هو مشروع (76) " وقال القرطـــــبى في تفسير قوله تعالى) وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ( فردهم تعالى مع التوبة إلى رءوس أموالهم وقال لهم لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رءوس أموالكم فتذهب أموالكم، .. وفى الآية تأكيد لابطال ما لم يقبض منه – الربا – وأخذ رأس المال الذى لا ربا فيه، فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد … وذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال اذا خالطه حرام حتى لم يتميز، ثم خرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لأنه يمكن ان يكون الذى أخرج هو الحلال والذى بقى هو الحرام، قال ابن العربى : وهذا غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه، والاختلاط إتلاف لتمييزه، كما أن الإهلاك اتلاف لعينه، والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسابين معنى، والله أعلم، قلت : قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه، فإن التبس عليه الامر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما الى المساكين، وإما الى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده الا اقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته الى ركبته، وقوت يومه، لأنه الذى يجب له أن يأخذه من مال غيره اذا اضطر إليه، وإن كره ذلك من يأخذه منه، وفارق ها هنا المفلس في قول أكثر العلماء لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيروها إليه فيترك له ما يواريه، وما هو هيئة لباسه (77) .
وهكذا يبين لنا القرطبى كيفية التوبة من الربا وأمثاله من كل مال حرام، وذلك بإعادة المال الحرام إلى أصحابه فإن لم يتيسر فليتصدق به، فإن كان مضطرا لم يستبق من ذلك الا ما هو ضرورى لحفظ النفس وستر العورة . وبمثل ذلك قال في توبة المحارب في تفسير قوله تعالى ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ( (78) حيث قال : استثنى جل وعز التائبين قبل ان يقدر عليهم، وأخبر بسقوط حقه عنهم بقوله ) فاعلموا أن الله غفور رحيم ( أما القصاص وحقوق الآدميين – الأموال – فلا تسقط، ومن تاب بعد القدرة فظاهر الآية ان التوبة لا تنفع، وتقام الحدود عليه كما تقدم، وللشافعى قول أنه يسقط كل حد بالتوبة والصحيح من مذهبه أن ما تعلق به حق الآدمى قصاصا كان أو غيره فإنه لا يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه (76) ويفرق الدكتور محمد عبد الحليم عمر بين الغسل بمعنى تطهير المال الحرام والتوبة منه برد المظالم الى أصحابها، وبين الغسل كمصطلح حديث يقوم على الخداع واخفاء الجريمة وإظهار المشروعية فيقول : إن مصطلح غسيل الأموال الذى ظهر على الساحة الاقتصادية الان يعنى القيام بتصرفات مالية مشروعة لمال اكتسب بطرق غير مشروعة عن طريق استخدامه ولمرات عديدة وفى جهات مختلفة وبأساليب عدة وفى وقت قصير في الاستثمار في أعمال مشروعة مثل الإيداع في بنوك خارجية، وإدخاله بطريقة مشروعة الى البلاد، أو محاولة إخراجه من البلاد بطريقة مشروعة عن طريق التحويلات الخارجية او تدويره في شراء عقارات ثم رهنها والاقتراض بضمانها، أو تداول المال في البورصات المحلية والعالمية أو إنشاء شركات وهمية وإُثبات معاملات مزورة باسمها بهذا المال، وذلك كله من أجل محاولة إخفاء المصدر غير المشروع للأموال وتضليل الاجهزة الرقابية والأمنية للإفلات من العقوبات المقررة عن الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها، أما مصطلح التوبة من المال الحرام فإنها تعنى بداية التوقف عن الكسب الحرام، ثم حصر وتحديد ما سبق ان كسبه، والتصرف فيه برد المظالم إلى أصحابها، فاستخدام مصطلح غسيل الأموال استخدام مضلل يضيف جريمة اخرى الى جرائم كسب المال بينما التوبة مصطلح شرعى يهدى الى الطهارة الحقيقية من الكسب الخبيث، وعملية غسل الأموال تزيد الجرائم الاقتصادية وتتوسع فيها بينما التوبة من المال الحرام تؤدى إلى تقليل ذلك وتحد منه، وغاسل الأموال المحرمة يخشى الناس أما التائب فيخشى الله، وغسل الأموال سلوك سيئ مجرم قانونا بينما التوبة سلوك حميد مطلوب شرعا (80) ثم قام الدكتور عمر بتقديم جداول للمال الحرام ومصادره وأنواعه (81) لا تخرج عما سبق بيانه، وجداول لكيفية التخلص من المال الحرام (82) تتفق مع ما سبق ذكره عن القرطبى وغيره.
المبحث الخامس
غسل الأموال غير الشرعى
عرفنا مما سبق أن الغسل الحقيقى يعنى النظافة والتطهير، وأن ذلك ينطبق على الأموال الحلال بإخراج الحقوق الواجبة منها في مواقيتها الشرعية ومقاديرها الشرعية، كما ينطبق على الأموال الحرام بالتخلص منها إن كانت كلها حراما أو بالبعض المحرم منها إن اختلط الحلال بالحرام، وبإعادتها لأصحابها إن كان أصحابها معروفين فإن لم يكونوا معروفين فبالتصدق منها في جهات الخير، ومع ذلك يكون الاستغفار والتوبة والندم على تحصيل المال الحرام ومعاهدة الله تعالى على عدم العودة الى ذلك أبدا كما أن على ولى الأمر إذا عرف بهذا المال الحرام أن يصادره وأن يعزر من يكتسبه بما يناسب أما إن تاب وأناب وأعاد الحقوق إلى أصحابها وتخلص من الحرام قبل أن يكتشفه الإمام فيعفو عنه ولا يعزره لقوله تعالى ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم( (83) .
أما غسل الأموال بالمصطلح الحديث الشائع الآن الذى يعنى تزييف الحقائق وتحويل الأموال المحرمة إلى أموال مشروعة في الظاهر وإخفاء حقيقة كسبها والتهرب من القوانين والخشية من الناس فهذا غسل غير مشروع لأنه ليس نظافة ولا تطهيرا بل إنه كذب وخداع ونفاق وتضليل وأكل لأموال الناس بالباطل وكسب خبيث حرام وتهرب من القانون، فهو جريمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهو يضيف إلى وزر الكسب الخبيث الحرام وزر الكذب والغش والنفاق وكل الجرائم المترتبة على عملية الغسل أو كما يسمونها تبييض الأموال، ومن هنا تضافرت الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمكافحة هذه الجريمة وإظهار خطورتها ومضارها على الجميع، وفى هذا المبحث نحاول بيان ذلك حتى نقف على هول هذه الجريمة وأساليب مكافحتها.
أ- خطورتها وحجمها :
تعتبر عملية غسل الأموال المحرمة وتبييضها بالصورة غير المشروعة التي بيناها عدة جرائم مركبة لا جريمة واحدة فهي أولا أموال محرمة لا يصح تملكها او اكتسابها وهى ثانيا تتحول بإجراءات معينة في الظاهر الى أموال مشروعة ظاهرا والحقيقة أنها غير مشروعة، وهى ثالثا محاولة للتهرب من القانون والمسئولية عن كسب هذه الأموال وحيازتها، وهى رابعا كذب وغش وخداع للناس، وتنعكس هذه الجرائم المركبة آثارا ضارة على المجتمع والاقتصاد، مما حدا بالمسئولين والخبراء الى بيان هذه الخطورة وحجمها وسن القوانين والعقوبات المناسبة لمكافحتها فمن ذلك دعوة الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية حيث يقول : "الرشوة والفساد وتهريب الأموال والتهرب الضريبى والتلاعب في المال العام، وغسل الأموال والتجسس الاقتصادى، كل تلك المفردات هى التي تشكل اليوم تهديدا حقيقيا للأمن القومى في مصر، فتحديات الأمن القومى لم تعد مقصورة في عالم اليوم على الصراعات العسكرية أو على مواجهة الجرائم السياسية والارهابية، بل اتسعت لتشمل قضايا الأمن الاقتصادى، خاصة بعد أن اصبح الاقتصاد ميدان المنافسة الأول بين بلدان العالم (84).
ويقول الدكتور سعيد اللاوندى تحت عنوان : الإرهاب وغسل الأموال : رؤية أوربية " اكتشفت أوربا يا للهول أن عواصمها الكبرى مثل لندن وباريس وجنيف وبروكسل ومدريد تتم فيها عمليات غسل الأموال عيانا جهارا، وكأنها عمليات بيع وشراء عادية لا يكاد يكترث بها أحد الا المعنيون بحركة التجارة ربحا وخسارة، كما اكتشفت أيضا أنها تحولت الى قاعدة خلفية للارهاب بعد ان استضافت طوال السنوات العشر الماضية كل المعارضين والمتطرفين، ولم تستيقظ لذلك الا بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن …" (85).
وتحت عنوان " رؤية تحليلية لظاهرة غسل الأموال " يقول الدكتور محمود شريف أستاذ القانون الجنائى الدولى بجامعة دى بول بشيكاغو : شهدت الاونة الأخيرة اهتماما عالميا بظاهرة غسل الأموال نظرا لما تمثله من خطورة بالغة على صعيد المجتمع الدولى، خاصة فيما يتعلق بالناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وهو الامر الذى حدا بالعديد من الدول الى سن التشريعات الوطنية وابرام الاتفاقيات الدولية فيما بينها لمجابهة تلك الظاهرة، وتشير التقديرات العالمية الى ان الدخل العام لتجارة المخدرات دوليا يبلغ حوالى خمسمائة مليار دولار سنويا، ويضاف إليها مبالغ اخرى لا يمكن تقديرها من ناتج جرائم اخرى بما في ذلك الأموال غير الشرعية الناتجة من صور الفساد والكسب غير المشروع، ومن ثم فإن هناك مليارات الدولارات يتم غسلها سنويا في دول مختلفة بهدف إضفاء صفة الشرعية عليها لاعادة استخدام جزء منها في تجارة المخدرات وأعمال إجرامية اخرى، أما عن الطريقة التي تتم بها فيستخدم غسل الأموال بعض البنوك والشركات المصرفية والاستثمارية في الدول التي يسمح المناخ الاقتصادى والسياسى فيها بهذا النوع من المعاملات المالية، وقد تتم أغلب هذه المعاملات في ظل سرية الحسابات البنكية والحسابات المرقمة والشركات ذات الأسهم المحمولة .
إن إضفاء صفة الشرعية على الأموال الناجمة عن جرائم وأعمال غير شرعية لا يعنى بالطبع ان القائمين على تلك العملية سوف يستخدمونها في أعمال شرعية عقب غسلها، بل إن الجزء الأكبر منها قد يعاد استخدامه في أعمال غير شرعية بالإضافة الى استخدامها في أعمال فساد مثل رشوة السياسيين والموظفين العموميين في الدول التي يرغب أصحاب تلك الأموال في زيادة أنشطتهم وكسبهم غير المشروع بها ثم يقول: أما بالنسبة للوضع في مصر فهناك نوعان من الأموال تستهدف السوق المصرية بقصد غسلها، أولهما رءوس أموال مصرية مصدرها داخلى ناتجة عن أعمال فساد وعمليات إجرامية يتم غسلها في الداخل، والثانى هو رءوس أموال تأتى من الخارج متخذة من الشكل التقليدى لتمويل اجنبى لمشروعات خاصة ستارا لها " (86) .
وفى ندوة عقدها الأهرام الاقتصادى حول غسل الأموال قال الدكتور نبيل حشاد الخبير المصرفى : إن ظاهرة غسيل الأموال أخذت في الانتشار عالميا خلال السنوات الأخيرة خاصة عبر المصارف من دولة الى اخرى حيث يتم تبييضها وتأخذ صفة الشرعية كأنها آتية من مصدر مشروع، وقدرت المنظمة الدولية لمكافحة غسيل الأموال "الكومنست" الأموال القذرة المغسولة بنحو ما بين 500 مليار إلى 1.5 تريليون دولار طبقا لإحصائيات عام 2000 وهو ما يتراوح بين 5% إلـى 1.5% من الناتج العالمى، ويلاحظ تفاوت بين الحدين الأعلى والادنى نظرا لصعوبة التقدير الواقعى لغسيل الأموال .." (87)
وفى الندوة نفسها يشير الدكتور حسن أبو زيد عميد كلية التجارة بجامعة القاهرة إلى أن عمليات غسيل الأموال تتم الان باستخدام احدث سبل التكنولوجيا والاتصــــالات الحديثــــة في نقل الأمـــوال من بنك لآخر والإنــــترنت خير شاهد على هذا " (88)
وفى الندوة نفسها يقول الدكتور حمدى عبد العظيم مدير مركز الدراسات والبحوث بأكاديمية السادات ان المخدرات وحالات الفساد الإداري والرشاوى والاختلاسات والمناقصات والمزايدات مع شركات عالمية هى أساس عمليات غسيل الأموال، وطبقا للتقديرات التي ساقها البنك الدولى فقد ارتفع حجم غسيل الأموال الى 283 مليار دولار في الولايات المتحدة و 55 مليار دولار في إيطاليا و 24.6 مليار في ألمانيا و 24.2 مليار في اليابان و 23.3 مليار دولار في كندا و22 مليار دولار في فرنسا، وحذر من خطورة مواقع الإنترنت التي تعلن أرقاما غير دقيقة عن الظاهرة(88) ومن هذه الأقوال وأمثالها كثير يتبين أننا امام جريمة كبرى تتألف من عدة جرائـــم لا تهدد الأمن المحلى لأى بلـــــد فقــط بل تهدد الأمن الإقليمي والعالمى في عنصريه الحيويين الاقتصاد والاجتماع . وقد قدم الدكتور محمد عبد الحليم عمر (89) جدولا إحصائيا بعدد الجرائم الاقتصادية في بعض المجالات في عام واحد سنة 1996م في مصر يكشف عن مدى خطورة هذه الجرائم وتزايدها كما يلى :
المبلغ
عدد القضايا
نوع الجرائم
52229520
ــ
2505544636
ــ
13939745 طنا من السلع
ــ
ــ
10281562597
95533835
5153499632
96844390
43324666
453
298
780
3272
84274
46237
5401
10107
942
413
605
256975
الرشوة والاستغلال
جرائم النقد
جرائم الاختلاس
جرائم التزييف والتزوير
جرائم التموين والتجارة
جرائم البيئة والمسطحات المائية
جرائم السياحة والآثار
جرائم التهرب من الضرائب
التهرب الجمركى
التهرب من ضريبة المبيعات
جرائم الاعتداء على ممتلكات الدولة
جرائم سرقة الكهرباء
1822853929
300680
الإجمالــي
وهذا الجدول على قدمه وعدم شموله لكل أنشطة الأموال القذرة ومصادرها فإنه مؤشر خطير في جملته على كثرة أنواع الأموال القذرة وحجم خطورتها فكيف لو تم حصر هذه المصادر بدقة هذا العام او العام السابق ؟
من هنا كان لا بد للمسئولين أن يقوموا بمكافحة هذه الجرائم وسن القوانين الصارمة لمكافحتها والتعاون مع سائر الدول في كشفها وتعقب أصحابها وقد تم ذلك وما زال بين سائر الدول كما يتبين من التقارير التالية .
ب- مكافحتها : بدأت مكافحة هذا النشاط القذر في أمريكا وأوربا ثم انتقل الى مصر والوطن العربى كما يتبين في هذا العرض :
5تحت عنوان " قراءة في مشروع قانون غسل الأموال " ذكر الأهرام هذه الفقرة " تزايد أخيرا الاتجاه الدولى نحو مكافحة عمليات غسيل الأموال من خلال جهود دولية ووطنية متكاملة استهدفت الحد من تلك الظاهرة والحيلولة دون نموها لما لذلك من اثار بالغة على الاستقرار الاقتصادى على مستوى العالم، فعلى المستوى الدولى يمكن ان يؤدى غسل الأموال الى انتقال رءوس الأموال من الدول ذات السياسات الاقتصادية الجيدة ومعدلات العائد المرتفعة الى الاقتصاديات الفقيرة وذات العائد المنخفض بما يضر بمصداقية الأسس الاقتصادية المتعارف عليها كما تؤثر عمليات غسل الأموال بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصادات الدول، وفى ظل تدويل الاقتصاد العالمى، ونمو فعالية أسواق المال الدولية اصبح من اليسير انتقال رءوس الأموال عبر الحدود، وقد أدى ذلك الى تزايد الجريمة الاقتصادية المنظمة وتزايد حركة تداول أموال المنظمات الإجرامية على المستويين المحلى والدولى بهدف تغيير صفة الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة واعادة تدويرها في مجالات وقنوات استثمار شرعية تبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع (90)
6وتحت عنوان : الإرهاب وغسل الأموال : رؤية أوربية ذكر الدكتور اللاوندى : بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن لم تتوقف الاجتماعات الاستثنائية لقادة اجتماعات اتحاد أوربا ووزراء العدل والداخلية والمالية فيها وكأنها في حالة انعقاد مستمر فالحدث جلل والوقت اصبح أقصر من أن يتحمل تسويفا أو تأجيلا، وكان لا بد من فتح جميع الملفات والخوض في كل المحاذير دون استثناء لأن الرهان هو مستقبل أوربا ولا شئ اخر غير ذلك كما أكد رئيس وزراء بلجيكا .. أما المطلب الملح الذى تحقق حوله إجماع الدول الـ 15 ومجموعة الدول الثمانى الكبرى أيضا فهو القضاء على شبكات تمويل الإرهاب في أسرع وقت ممكن، وهو ما يفرض بالضرورة سن جملة من القوانين الجديدة لوقف جميع أشكال غسل الأموال القذرة الخاصة بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والأعمال الإرهابية، وفى هذا الاطار تقرر تحطيم السرية المفروضة على الحسابات كما بات لزاما على أصحاب الكازينوهات وشركات المقاولات الكبرى وخبراء المحاسبة والمحامين أن يقوموا بالتبليغ عن أي شخص يتعامل معهم ويشكون في أن منابع أرصدته تتصل بشيكات المافيا أو دوائر غسل الأموال داخل أوربا أو خارجها باعتبار ان عمليات غسل الأموال تجرى على هامش الحياة الاجتماعية وتدور في الخفاء وتضر بقاعدة التضامن التي تفخر الديمقراطية الغربية بأنها أسستها. (91)
7وقد انتقلت هذه الجهود الدولية وذلك النشاط المكثف إلى الوطن العربى لمواجهة مخاطر غسل الأموال القذرة فعقدت مؤتمرات وندوات أسفرت عن الضرورة الماسة لسن القوانين والعقوبات لمكافحة هذه الجرائم فمن ذلك ما نشره الأهرام الاقتصادى تحت عنوان " المصارف والمؤسسات المالية العربية تواجه مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حيث قال : تواجه المصارف والمؤسسات المالية العربية تحديات صعبة في المرحلة الحالية ومن أهمها عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهى التحديات التي تحوز اهتمام المجتمع الدولى، وقد اتخذت المؤسسات المالية والمصارف العربية جميع التدابير الممكنة والفعالة في مواجهة هذه الظاهرة، وهذا ما أكده جوزيف طربية رئيس اتحاد المصارف العربية والدكتور فؤاد شاكر الأمين العام للاتحاد خلال مداخلتين لهما في مؤتمر مكافحة تبييض الأموال الذى عقده الاتحاد في بيروت حيث أكدا أن أحداث 11 سبتمبر تبعها إجماع دولى على مكافحة الإرهاب من خلال منعه من استخدام تقنيات النظام المالى في تنفيذ أهدافه، وشدد شاكر وطربية على أهمية اعتماد المصارف والسلطات النقدية لمعايير تحقيق في أنظمة الدفع والتحويلات الإلكترونية، وشددا على أن المصلحة العربية العامة تقتضى حفظ القطاع المصرفى العربى من العمليات غير المشروعة لأن اقتصاد الجريمة لا يمكن الاعتماد عليه كبديل للاقتصاد الشرعى، فالجميع داخل الاقتصادات والقطاعات المصرفية العربية متفقون على أهمية السعى لجذب الأموال المحلية والأجنبية للاستثمار وداخل الدول العربية، ولكن مع الحذر والتنبيه لمنع تسرب الأموال القذرة لما يلحقه هذا الامر من أضرار كبيرة بسمعة المنطقة العربية وتنميتها المالية وخططها التنموية، وطالب رئيس اتحاد المصارف العربية بإنشاء آلية عربية للتنسيق في المكافحة الجماعية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب " (92)
8وكان لمصر جهود كبيرة في مضمار مكافحة هذه الجرائم حيث قامت بسن قانون ينص في مواده على تجريم وعقاب من يقوم بالمشاركة في هذه الجرائم وقامت وزارة العدل والمالية بالتعاون في صياغة هذا القانون ومواده وعرضه ومناقشته أمام مجلس الشورى والشعب لاقراره يقول الأهرام تحت عنوان وزير العدل أمام مجلس الشورى : مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال يحصن الاقتصاد المصرى من الهزات المالية " جاء فيه : أكد المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل أن الشواهد والدراسات تثبت أن حجم الأموال التي يتم غسلها داخل الاقتصاد المصرى تمثل حوالى 30% من الحجم الكلى للاموال، وقال إن عمليات غسل الأموال تؤثر بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية، وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصاديات الدول، جاء ذلك أمام لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى في اجتماعها أمس 8 مايو 2002 برئاسة المستشار عبد الرحمن فرج محسن لمناقشة مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال .. وقال : إن قانون غسيل الأموال يحصن الاقتصاد المصرى من عدة أضرار بعدما أصبحت تلك العمليات تمثل ظاهرة عالمية تساعد المنظمات الإجرامية الدولية على اختراق وافساد الهياكل الاقتصادية والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة والمجتمع بمختلف مستوياته مما يؤثر الى اهتزاز بنيانه المالى .. وقال : إن التشريع الجديد حريص على تجريم استقبال وارسال الأموال الناشئة عن جرائم تعاقب عليها القوانين … وأوضح ان مشروع القانون يتضمن عشرين مادة جاءت محددة للإطار العام بجريمة غسيل الأموال ووسائل مكافحتها وتطبيق تلك الوسائل على المؤسسات المالية الخاضعة لاحكام مشروع القانون بالإضافة الى وضع العقوبات المناسبة لمجابهة هذا السلوك . وأشار وزير العدل الى ان حجم الأموال التي يتم غسيلها سنويا تمثل 20% من حجم الناتج القومى الإجمالي في الولايات المتحدة أي ما يعادل 1.5 تريليون دولار مما يتطلب إجراءات فعالة لمكافحة غسيل الأموال، وأشار الى ان هناك تشريعا بهذا الخصوص (غسيل الأموال) سوف يناقشه وزراء العدل العرب والداخلية العرب داخل الجامعة العربية حيث إن هذا الموضوع أصبح ظاهرة عالمية تقف أمامه جميع دول العالم، وقد وأفقت اللجنة التشريعية على القانون حيث ستتم مناقشته أمام المجلس خلال جلساته المقبلة (93) . وحول مشروع هذا القانون المصرى صدرت عدة تعليقات وتحليلات منها ما يمدحه ويشجعه ومنها ما ينتقده لعدم قوته وصراحته في مقاومة هذه الجريمة خوفا على تأثر جذب الأموال للاستثمار في مصر فمن ذلك قول محمود عبد السلام عمر رئيس اتحاد بنوك مصر إنه على الرغم من ان التشريع المصرى لم يتضمن النص صراحة في قانون على تجريم عمليات غسيل الأموال فإن المشرع قد أدرك مبكرا الدور الخطير الذى يمكن ان يلعبه راس المال في تسهيل واستمرار تصاعد جرائم الكسب غير المشروع سواء من خلال الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو تلك المرتبطة بالفساد الإداري ومن ثم فقد حرص المشرع على توفير أطر تشريعية لمواجهة مثل هذه العمليات سواء من خلال تضمين القوانين الموجودة عددا من المواد التي تجرم مثل هذه الأفعال او بإدخال تعديلات تالية على تلك المواد بعدما أظهـرت التجربة ان العقوبات المقررة بها لم تعد كافية للحد من تلك الأنشطة" (94) ويقول الدكتور محمود شريف : أما عن الجهود المصرية لمكافحة هذه الظاهرة والحد من مخاطرها – اذا ما استثنينا دور الاجهزة الرقابية في مكافحة الجرائم الاقتصادية بوجه عام – فلم تتجاوز مبادرة وزارة العدل بإعداد مشروع قانون لمكافحة غسل الأموال بيد أنه ما زال في طور الإعداد دون اتخاذ خطوات أكثر إيجابية سبق وأن اتخذتها بالفعل العديد من الدول، ومن بينها النامية، الامر الذى يتعين معه على الحكومة تقديم المشروع وبصفة عاجلة الى مجلس الشعب لكى يصبح لدينا قانون وطنى خاص لمكافحة تلك الظاهرة أسوة بما هو قائم بمختلف دول العالم حتى يتسنى لنا مواكبة المجتمع الدولى في هذا الشأن وإلا فان مصر ستتعرض لحرج بالغ في المحافل الدولية " (95) ويرى الدكتور نبيل حشاد أن قرار محافظ البنك المركزى - بوضع الضوابط– إجراء سليم وليس بدعة، بل مطبق في قوانين عدة دول، وليس هناك تعارض بين سرية الحسابات وهذه الإجراءات في ظل تأثير غسيل الأموال سلبا على الاقتصاد المصرى دوليا … وفيما يتعلق بالأثر البعيد على البنوك من إصدار قانون لمكافحة غسيل الأموال يرى ان سمعة الدولة ومكانتها في مجال المكافحة يؤثر سلبا او إيجابا على النظرة العالمية في الأوساط المصرفية على مصارفها، ويمكن وضع مصارفها ضمن المصارف التي تقوم بغسيل الأموال حتى وإن لم تقم بذلك .. ومع وضع واقرار قانون مكافحة غسيل الأموال في مصر تزداد صورة البنوك المصرية قوة، وسيكفل لها الحماية ويبعدها عـن التصنيف السئ " (96)
ويرجع الدكتور حسين عمران رئيس قطاع البحوث بوزارة الاقتصاد جهود مصر لمكافحة غسيل الأموال الى عام 1988 حين وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة في فيينا، واشتراكها في المؤتمر العربى الثامن في تونس 1994 لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات ومنع غسيل الأموال، والمؤتمر الدولى التاسع لمنع الجريمة بالقاهرة 1995 والقانون رقم 4 لسنة 1971 بتنظيم فرص الحراسة وتأمين سلامة الشعب وقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975، وقانون سرية الحسابات والمادة 44 مكرر من قانون العقوبات المصرى، ويؤكد ان مصر لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهته او التعاون في مكافحة الظاهرة العالمية مشيرا الى ان وجود مناطق معينة ومحددة معروفة بغسيل الأموال هى قارة أوربا وتحديدا في سويسرا او لوكسمبورج وموناكو وجبل طارق، ومناطق البحر الكاريبى في أمريكا اللاتينية خاصة في جزر البهاما والبرامودا وجاميكا وبنما، وفى آسيا تتركز في هونج كونج وسنغافورة وتايوان وتايلاند (97) .
وتؤكد الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون التشريعى والدستورى وعضو لجنة وزارة العدل لاعداد مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال وجود اكثر من اتجاه يتبنى تجريم غسيل الأموال في صور معينة ومحددة، ويتم بناء عليه تحديد العقوبة سجنا او غرامة او مصادرة الأموال، وترى أنه ليس من المصلحة العامة تجريم الأموال في الوقت الحاضر حتى لا تهرب وتفقد مصر استثمارات هامة، وتقترح الاكتفاء بالرقابة المصرفية على رءوس الأموال المتدفقة للبنوك بشكل سرى لا يستشعر معه صاحب المال أي رقابة .. ولا بد من التجريم للاموال الملوثة ومواجهتها سواء في المصارف او أي مكان آخر فاذا ثبت أنها غير مشروعة تجرم ولا يتم الاكتفاء بالمصادرة " (98) وكما قام البنك المركزى بوضع ضوابط مكافحة غسل الأموال فقد قامت الهيئة العامة لسوق المال بعدة إجراءات صارمة لمنع غسيل الأموال بالبورصة وفى مقال في الأهرام الاقتصادى بيان لذلك جاء فيه " أصدرت الهيئة العامة لسوق المال تعليمات لشركات السمسرة يتم من خلالها تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال والذى ألقى على الجهات العاملة في مجال الأوراق المالية بعدة التزامات لا بد من مراعاتها بكل دقة لأنها ستمنع بكل قوة غسل الأموال في البورصة المصرية وتمنع دخول أموال مشبوهة داخل السوق المصرى، وهو مطلب هام جدا تؤيده كل الأطراف الحكومية وغيـر الحكومية. (99) .
وأخيرا صدر القانون المصرى رقم 80 في 22/5/2002 لمكافحة غسل الأموال وأنشئت لذلك إدارات خاصة تقوم بمتابعة تطبيق القانون وتنفيذه، وقد جاء في تعليق لجنة الشئون الاقتصادية والمالية والخطة في الحزب الوطنى بعد دراسته ما يلى : يعد مشروع قانون مكافحة غسل الأموال من اهم القوانين والتشريعات الاقتصادية التي اعدتها الحكومة في الفترة الأخيرة خاصة بعد إدراج مصر على قائمة البلدان غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال على المستوى الدولى، وما أن انتهت الحكومة من إعداد مشروع القانون حتى بادر العديد من المؤسسات الحكومية وغيرها الى مناقشة مواده وفلسفته وأهميته بالنسبة لمصر، وعلى الرغم من الجدل الذى اثارته بعض مواد القانون، فان هناك ارتياحا لدى الأوساط المصرفية والاقتصادية لاصدار هذا القانون وبخاصة أنه راعى في مواده قوانين الأمم المتحدة والمنظمات العالمية كما يراعى القوانين المصرية السابقة في الأموال غير المشروعة . كما ترى اللجنة ان القانون جاء محققا للتوازن في المعادلة الاقتصادية ومن مواد هذا القانون ما يلى :
المادة الأولى : كل فعل ينطوى على اكتساب مال او حيازته او التصرف فيه أو إدارته أو حفظه أو استبداله أو إيداعه أو ضمانه أو استثماره أو نقله أو تحويله إذا كان متحصلا من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) متى كان القصد من هذا الفعل إخفاء مصدر المال أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل عليها من المال يعد جريمة .
المادة الثانية : يحظر غسل الأموال المتحصلة من جرائم زراعة وتصنيع المخدرات والمؤثرات العقلية وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وجرائم اختطاف وسائل النقل وخطف واحتجاز الأشخاص والإرهاب وتهريب الأسلحة والذخائر والمفرقعات أو الاتجار فيها دون ترخيص والجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من قانون العقوبات – كالسرقة وخيانة الأمانة والنصب والدعارة – والجرائم الواقعة على الآثار وكذلك الجرائم المنظمة – التي ينص عليها في الاتفاقيات الدولية التي تكون مصر طرفا فيها وذلك سواء وقعت هذه الجرائم في الداخل او الخارج متى كانت معاقبا عليها في القانون المصرى "
ومن مواد هذا القانون المادة التالية " تنشأ وحدة في وزارة العدل لمكافحة غسل الأموال ويرأسها أحد رجال القضاء أو النيابة العامة من درجة رئيس محكمة استئناف او ما يعادلها وتضم في تشكيلها ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والمالية وغيرها من الوزارات والبنك المركزى المصرى والجهات المعنية. (100) الى غير ذلك من المواد العشرين.
34وعلى الصعيد العالمى أقر صندوق النقد الدولى رسميا مشروعا جديدا لمحاربة عمليات غسيل الأموال في إطار المساعى الدولية لتجفيف منابع تمويل الإرهاب وتجريد القوى المتطرفة من مصادر قوتها وأوضح بيان الصندوق الذى صدر أمس الأول 22/11/2002 أن العمل بموجب هذا المشروع قد بدأ بالفعل الأسبوع الماضى 15/11/2002 وسوف يستمر العمل به على مدى عام كامل، وسيقوم كل من صندوق النقد والبنك الدوليين بمراقبة السياسات المالية والأنظمة داخل البنوك المركزية في الدول الأعضاء بالمؤسستين وسوف تستمر عمليات المراقبة هذه بشكل يومى ومنتظم بما يسمح بالتدخل السريع في حالة اكتشاف عمليات لغسل الأموال او مؤامرات لتمويل مخططات إرهابية ونقلت الجزيرة عن خبراء في براغ انهم أكدوا في مؤتمر لغسيل الأموال ان الدول الاوربية تناضل من أجل سد الثغرات التي تتيح لمجرمين منهم جماعات إرهابية فرصة نقل كميات طائلة من الأموال القذرة، وذلك عبر بلادهم او في أنحاء العالم، وأوضح مايكل أوليم وهو محقق بريطانى سابق يعمل لحساب شركة حسابات في بولندا مخاطبا حوالى مائة خبير مالى يحضرون مؤتمر براج في جلسته مساء الخميس أنها معركة ربما لا نكسبها أبدا "(102)
ونقلت الأهرام عن شبكة بى بى .سى أن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكونى قد مثل أمام القضاء الإيطالي أمس الأول في محاكمة لأحد المقربين منه متهم بغسل أموال لصالح المافيا الا انه رفض الإجابة عن أية أسئلة مستخدما حقه بمقتضى القانون الإيطالي.
وتعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول خبرة في التشريع على المستوى القومى للحد من عمليات غسل الأموال نظرا لخبرتها الطويلة في مجال ممارسة هذه الجريمة إذ تقدر الإحصائيات أن ثلث عمليات غسل الأموال يحدث في الولايات المتحدة، ولذلك قامت بوضع أشمل وأكمل مجموعة من القوانين واللوائح للقضاء على هذه الجريمة وترجع أولى التشريعات الى عام 1986م، ثم توالت القوانين بعد ذلك . وعلى المستوى الدولى كانت أولى خطوات التعاون لمواجهة هذه الظاهرة اتفاقية بازل سنة 1993م وقد وقع عليها 147 دولة، كما تبنى الاتحاد الأوربي سنة 1991 توجهات تستهدف القضاء على هذه الجريمة وقد تكونت مجموعة عمل للرقابة المالية وأصبحت تضم 24 عضوا من منظمة التنمية والتعاون الأوربي بالإضافة الى هونج كونج وسنغافورة ولجنة الجماعة الاوربية ومجلس التعاون الخليجى ثم زيدت الى ثمانية وعشرين عضوا سنة 1991 (103) .
ومما سبق نعلم أننا أمام جريمة كبرى مركبة من عدة جرائم، وأن العالم كله قد تعاون، وما زال يتعاون في مكافحتها، والقضاء عليها لما لها من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمى، والاقتصاد القومى لكل دولة، وجريمة كجريمة غسل الأموال المركبة التي جرمتها جميع القوانين غير الاسلامية، جديرة أن تكون غير موجودة في العالم الإسلامي، ولا يقوم بها مسلمون، لأنها كما ظهر من كبائر الإثم والفواحش لما تشمله من جرائم كثيرة ثم بيانها في المباحث السابقة، نسأل الله العفو والعافية والمعاناة في الدنيا والآخرة .
والله ولى التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
! ! !
الهوامـش
2التوبة من المال الحرام، ورقة عمل مقدمة الى الحلقة النقاشية الثانية عشرة بمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر د. محمد عبد الحليم عمر ص1.
5- المائدة 6
4- ص42
3- النساء [43]
2- المائدة [6]
7- البقرة [222]
6- المدثر [4]
9- البقرة 1
8- المعجم الوسيط جـ2 مادة غسيل ص652
13- المعارج 24/25
12- الفتح [11]
11- النساء
10- البقرة [155]
14- المعجم الوسيط جـ2 ص892 مادة مال
15- انظر : المغنى لابن قدامة جـ1 ص218 والكافى لابن قدامة جـ1 ص60
16- تفسير القرطبى جـ5 ص209/210 باختصار
17- السابق جـ8 ص245/146
18- التوبة من المال الحرام مرجع سابق
21- آل عمران [14]
20- الفجر [20]
19- الكهف [46]
24- الإسراء [26-29]
23- المائدة [38]
22- النساء [5]
26- الإنسان والمال في الإسلام – د. عبد النعيم حسنين ص106
25- الملك [15]
29- عبس [25-32]
28- النبأ [14-16]
27- الجمعة [9/10]
32- الرعد [3-4]
31- الأنعام [141]
30- الأنعام [99]
34-
33- الواقعة [63-65]
36- الأعراف [10]
35- البقرة [164]
37- تفسير القرطبى جـ7 ص167 .
40- التوبة [24]
39- البقرة [282]
38- النساء [29]
43- التوبة [111]
42- فاطر [29]
41- الصف [11]
44- تفسير القرطبى جـ5 ص151/152 باختصار
46- هود [37-38]
45- التفسير الكبير – الرازى جـ7 ص21.
49- سبأ [10-11]
48- الأنبياء [80]
47- الشعراء [128-129]
51- التفسير الكبير – الرازى جـ9 ص174
50- سبأ [12-13]
53- السابق ص149-150
52- الملكية الفردية د. محمد بلتاجى ص76 .
55- البقرة [188]
54- التفسير الكبير – الرازى جـ9 ص173-174
56- تفسير القرطبى جـ2 ص338-340 باختصار
57- المقدمات الممهدات جـ2 ص222
59- الملكية الفردية ص190
58- الإمام الشافعى جـ3 ص312
60- حبس اللبن في ضرع البهيمة لايهام المشترى أنها كثيرة اللبن.
61- المزايدة في سعر المبيع دون رغبة في الشراء
62- المزاينة : بيع التمر بالتمر – الرطب – أو بيع الزبيب بالعنب وكذلك كل بيع مجهول طرفاه او أحدهما جزافا.
63- العرايا : بيع الرطب على النخل جزافا بالتمر.
64- المنابذة : أن يقول أحد المتبايعين : إذا نبذت إلى هذا الثوب فقد وجب البيع أو أن يقول : إرم ما معك في مقابل ما معى
65- الملامسة : أن يمس الثوب المبيع بيده دون أن ينشره.
66- بيع الحصاه : هو أن يقول : إرم هذه الحصاة على أى ثوب فما وقعت عليه فهو لك بكذا، أو بعتك من هذه الأرض بقدر ما تبلغ الحصاة إنا رميتها.
68- حبل الحبلة بيع حمل حمل الناقة
67- بيع الدين بالدين
69- عسب الفحل : ماؤه الذى تحمل منه أنثاه .
70- المعاومة بيع ثمار الشجر عاما أو أكثر قبل أن يظهر وينضج
71- بيع العربون : أن يدفع جزءا من ثمن المبيع على أنه اذا رده كان المدفوع للبائع.
72- شرح صحيح مسلم للنووى جـ4 ص5،6 وانظر أيضا في جميع البيوع المذكورة الكافى في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل جـ2 ص4-42 .
74- الطرق الحكمية ص399
73- تفسير القرطبى جـ2 ص358 .
75- تبصرة الحكام جـ2 ص213.
76- الملكية الفردية ص323-324.
78- المائدة [345]
77- تفسير القرطبى جـ3 ص365-367 باختصار
79- تفسير القرطبى جـ6 ص158.
81- السابق ص6.
80- التوبة من المال الحرام مرجع سابق ص4 .
83- المائدة [34]
82- السابق ص11 .
84- الأهرام عدد 41912 في 6/9/2001 تحت عنوان مواقف
85- الأهرام عدد 41960 في 24/10/2001 .
86- الأهرام عدد 41904 في 29/8/2001 .
88- السابق
87- الأهرام الاقتصادى عدد 1705 في 10/9/2001 .
89- التوبة من المال الحرام ص8 .
90- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
91- السابق عدد 41960 في 24/10/2001 .
92- الأهرام الاقتصادى عدد 1730 في 4/3/2002 .
93- الأهرام عدد 42157 في 9/5/2002 .
94- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
95- الأهرام عدد 41904 في 29/8/2001.
97- السابق.
96- الأهرام الاقتصادى عدد 1705 في 10/9/2001
98- السابق
99- السابق عدد1751 في 29/7/2002 .
100- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
101- الأهرام عدد 42356 في 24/11/2002 .
102- الجزيرة عدد 10999 في 9/1/2002.
103- الأهرام عدد 41551 في 10/9/2002 .
قائمة المراجع *
2الأم – الشافعى، مطبعة الشعب بالقاهرة.
3الأهرام جريدة مصرية يومية – القاهرة – عدة أعداد.
4الأهرام الاقتصادى – جريدة مصرية أسبوعية – القاهرة – عدة أعداد.
5الإنسان والمال في الإسلام د. عبد النعيم حسنين . دار الوفاء – المنصورة- مصر.
6تبصرة الحكام في أصول الاقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون – المطبعة البهيئة بالقاهرة.
7التفسير الكبير – الرازى – دار الغد العربى – مصر.
8التوبة من المال الحرام د. محمد عبد الحليم عمر . مركز صالح كامل - جامعة الأزهر – مصر.
9جامع البيان عن تأويل آى القرآن للطبرى – مكتبة الحلبى بمصر.
10الجامع لأحكام القرآن – القرطبى – دار الكتب المصرية – مصر.
11الجزيرة جريدة يومية سعودية.
12شرح صحيح مسلم للنووى – مطبعة الشعب – مصر.
13الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم – مطبعة المدنى بالقاهرة.
14الكافى في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل لابن قدامة – المكتب الإسلامي – بيروت.
15المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
16المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد عبد الباقى – مطبعة الشعب- مصر.
17المغنى لابن قدامة.
18المقدمات الممهدات لابن رشد – مطبعة السعادة – مصر.
19الملكية الفردية د. محمد بلتاجى – مكتبة الشباب – مصر.
منقول ..........
دكتور / محمد نبيل غنايم
أستاذ ورئيس قسم الشريعة الاسلامية
بكلية دار العلوم – جامعة القاهرة – مصر
ملخص البحث
هذا البحث عن "غسل الأموال" وهو أحد موضوعات المحور الثانى من محاور المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة خلال شهر المحرم 1424هـ .
ويقع البحث في خمسة مباحث، تناول المبحث الأول بيان معانى الألفاظ : غسل– أموال – غسل الأموال . وانتهى الى أن المصطلح الحديث الشائع اليوم في مجال الاقتصاد لا يمت إلى المعنى الحقيقى للغسل، بل إنه جريمة مركبة ذات أبعاد وآثار اقتصادية واجتماعية خطيرة جعلت العالم كله يسعى الى مكافحتها والقضاء عليها .
أما المبحث الثانى فيتحدث عن الأموال الحلال وطرق الكسب المشروعة ويتحدث المبحث الثالث عن الأموال الحرام وطرق الكسب غير المشروعة ويتحدث المبحث الرابع عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها وذلك ببيان كيفية التطهير المطلوب في المال الحلال عن طريق إخراج الزكاة والنفقة الواجبة والكفارة وغير ذلك، وكيفية التطهير المطلوب في المال الحرام إما بالتخلص منه كلية او من الجزء المحرم فيه، أو برد الحقوق الى أصحابها … وهكذا، أما المبحث الخامس فعن الغسل غير الشرعى للأموال الحرام وهو بيت القصيد وجوهر هذا البحث لأنه تصدى لهذه الظاهرة وبين خطورتها وحجم انتشارها وما نشأ عنها من فساد، ثم تحدث عن الجهود المحلية والعالمية لمكافحتها والقضاء عليها وأخذ من جهود مصر وما سنته من قانون لذلك نموذجا ومثالا، ولم يغفل الجهود الدولية الأخرى في هذا الصدد.
وانتهى البحث الى ان مصطلح " غسل الأموال " حق يراد به باطل وأنه لا يعنى الغسل الشرعى الصحيح والواجب بل يعنى جريمة مركبة من عدة جرائم لا تمت الى الغسل بصلة بل تقوم على قذارة واضحة، وناشد البحث أولياء الامر أن يصادروا تلك الأموال ويعزروا أصحابها بما يستحقون من العقاب.
مقدمـــة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد،،،
فيسعدنى أن أتقدم بهذا البحث في موضوع "غسل الأموال" للمشاركة في أعمال المؤتمر العالمى الثالث للاقتصاد الإسلامي الذى تنظمه كلية الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة أم القرى خلال شهر المحرم 1424هـ- مارس 2003م.
ويتكون هذا البحث من خمسة مباحث :
المبحث الأول : في تحديد المصطلحات : غسل، أموال، غسل الأموال.
المبحث الثانى : الأموال الحلال وأنواعها.
المبحث الثالث : الأموال الحرام وأنواعها.
المبحث الرابع : غسل الأموال الشرعى.
المبحث الخامس : غسل الأموال غير الشرعى.
ثم الهوامش، وفهرس المراجع.
ونظرا لحداثة الموضوع وقلة مصادره كان لا بد من إلقاء الضوء على جميع الجوانب من خلال المراجع العامة والدوريات اليومية.
تناولت في المبحث الأول تعريف الغسل وتعريف الأموال، وتعريف المركب "غسل الأموال" من خلال المعاجم وكتب التفسير والفقه، وغسل الأموال كمصطلح حديث له معنى مجازى . وفى المبحث الثانى بينت الأموال المشروعة وأسباب التملك والعمل المشروع من خلال كتب التفسير والفقه، أما المبحث الثالث فتناولت فيه الأموال الحرام وأنواعها وأسباب تحريمها وما يتفرع عنها وأفدنا في ذلك من بعض المراجع الحديثة مع المراجع القديمة، وفى المبحث الرابع تحدثنا عن الغسل الشرعى للاموال بنوعيها الحلال والحرام وكيف يكون ذلك في كل منهما، أما المبحث الأخير الخامس فتناولت فيه الغسل غير الشرعى للاموال الحرام وهو المراد هذه الأيام وهو الجريمة الاقتصادية التي نحن بصددها وقد بينت في هذا المبحث مدى خطورة وحجم هذه الجريمة والجهود الدولية والمحلية لتجريمها ومكافحتها وفيه اعتمدت على الدوريات .
أرجو أن أكون قد وفقت والله من وراء القصد.
! ! !
المبحث الأول
تحديد المصطلحات : الغسل – الأموال – غسل الأموال
يعتبر مصطلح " غسل الأموال " من المصطلحات الاقتصادية حيث لم يعرف ولم يتداول ولم يتنبه له الا منذ سنوات معدودة حيث بدأت إجراءات المراقبة والتجريم والمصادرة وتكوين إدارات خاصة بتتبع ذلك وهكذا .
يقول الدكتور محمد عبد الحليم عمر : وفى هذه الأيام زادت ظاهرة الكسب والصرف غير المشروعين سواء من حيث عدم المشروعية الدينية او عدم المشروعية القانونية، وظهر ما يعرف في المجال الاقتصادى بالاقتصاد الخفى او الاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل والتي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة تضر بالاقتصاد القومى وبحقوق الآخرين، ونظرا لخوف هذه الفئة التي تكسب أموالا غير مشروعة من المساءلة القانونية، وخشيتهم من الناس ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية "غسل الأموال " والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة الاخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للاموال باساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية وادخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها . (1)
ولما كان الامر بهذه الحداثة رأيت أن أبدأ بتأصيل المصطلحات لننطلق منها الى ما نحن بصدد بحثه وحتى يكون التحديد واضحا نعرف كل لفظ على حدة ثم نأخذ من ذلك المصطلح المركب ومعناه.
وكلمة "غسل" وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات هى قوله تعالى في الوضوء ) يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق …( (2) وقوله في الطهارة من الجنابة ) يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا ( (3) وقوله تعالى لأيوب عليه السلام ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب( (4) فهي تعنى الطهارة بالماء من الحدث الأصغر والأكبر كما تعنى إزالة النجاسة وتطهير الموضـع الذى أصابته بالماء، ولذلك يعبر عن الغسل بالتطهير كقوله تعالى ) وإن كنتم جنبا فاطهروا( (5) أي اغتسلوا، وقوله ) وثيابك فطهر ( (6) أي اغسله ونظفه من النجاسة، وقوله ) فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ((7) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة فكلمة "غسل" مصدر يدل على النظافة والطهارة .
تقول المعاجم : غسل الشيء يغسل غسلا : أزال عنه الوسخ ونظفه بالماء، ويقال : غسل الله حوبته : طهره من إثمه .. وغسل الأعضاء : بالغ في غسلها والميت: طهره ونقاه، واغتسل بالماء : غسل بدنه به، والغسل : تمام غسل الجسد كله، والمغتسل : مكان الاغتسال والماء الذى يغتسل به.."(8)
والأموال جمع مال، وقد وردت هذه المادة في القرآن الكريم ستا وثمانين مرة مفردة وجمعا ومضافة فمن ذلك قوله تعالى ) وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين ( (9) وقولـه ) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال ( (10) وقوله ) ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ( (1) وقوله ) شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا ( (12) وقوله ) والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم ( (13) إلى غير ذلك من الآيات وهى في جميع المواضع تعنى ما يمتلكه الإنسان ويتموله ويتبادله مع غيره عينا أو نقدا او منفعة .
قالت المعاجم : مال يمول مولا ومؤولا : كثر ماله فهو مال، وهى ماله وفلانا اعطاه المال، موله : اتخذه قنية، والمال : كل ما يملكه الفرد او تملكه الجماعة من متاع او عروض تجارة او عقار او نقود او حيوان والجمع أموال، وقد أطلق في الجاهلية على الإبل، ويقال : رجل مال : ذو مال (14)، وليست المعانى الشرعية للغسل والمال بعيدة عن هذه المعانى اللغوية بل تكاد تتفق معها فالغسل في الشرع هو تعميم البدن والشعر بالماء مع النية كما جاء في قول ابن قدامة في الكافى والمغنى (15) وقول القرطبى على المغسول ولذلك فرقت العرب بين قولهم : غسلت الثوب وبين قولهم أفضت عليه الماء وغمسته في الماء، اذا تقرر هذا فاعلم أن العلماء اختلفوا في الجنب يصب على جسده الماء او ينغمس فيه ولا يتدلك فالمشهور من مذهب مالك أنه لا يجزئه حتى يتدلك وقال الجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء : يجزئ الجنب صب الماء والانغماس فيه اذا اسبغ وعم وان لم يتدلك (16) والاختلاف في الجنب لا يعنينا في هذا المقام إنما أردنا بيان حقيقة الغسل عند جمهور العلماء وهى الصحيحة المتفقة مع اللغة والنصوص الشرعية.
وكذلك المال قال القرطبى : ذهب بعض العرب وهم دوس الى ان المال الثياب والمتاع والعروض، ولا تسمى العين مالا، وقد جاء هذا المعنى في السنة الثابتة، من رواية مالك عن ثور بن زيد الديلى عن أبى الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبى هريرة قال : خرجنا مع رسول الله r عام خيبر فلم نغنم ذهبا ولا ورقا الا الأموال الثياب والمتاع ..، وذهب غيرهم الى ان المال الصامت من الذهب والفضة وقيل : الإبل خاصة، ومنه قولهم : المال الإبل، وقيل جميع الماشية، وذكر ابن الانبارى عن احمد بن يحيى ثعلب النحوى قال : ما قصر عن بلوغ ما تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال وأنشد :
والله ما بلغت لى قط ماشية حد الزكاة ولا إبل ولا مال
قال أبو عمر : والمعروف من كلام العرب ان كل ما تمول وتملك هو مال لقوله r " يقول ابن آدم مالى مالى، وإنما له من ماله ما أكل فأفنى او لبس فأبلى أو تصدق فأمضى" وقال أبو قتادة : فأعطانى الدرع فابتعت به مخرفا – بضع نخلات – في بنى سلمة، فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام، فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن الا ان ينوى شيئا بعينه فيكون على ما نواه، وقد قيل : إن ذلك على أموال الزكاة، والعلم محيط واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مالا والله أعلم (17) وهذا الذى قاله القرطبى في النهاية هو الصحيح فالمال هو كل ما يتملكه الإنسان من ذهب أو فضه او زروع او حيوان او منافع او عروض تجارة الى غير ذلك من الأنواع.
نأتي بعد هذين التعريفين لكل من : الغسل، والأموال للتعريف باللفظ المركب منهما فيكون غسل الأموال هو تطهيرها من كل قذارة ونجاسة، وتلك هى الطهارة الحسية، وتكون بإزالة النجاسات كالروث والدم ونحوها من الممتلكات كالثياب والمكان ونحوها، كما يتم تطهيرها حسيا باستبعاد ما هو محرم منها كفوائد البنوك والرشوة والغصب والسرقة ونحو ذلك من الميتة والخنزير ويتم تطهيرها معنويا وحسيا باخراج نصيب الفقراء والمساكين منها بأداء الزكاة المفروضة وما سواها من حقوق، فان كان المراد بغسل الأموال تلك الطهارات الحسية والمعنوية فهي إرادة صحيحة لأنها مطلوبة شرعا أما إن كان المراد بها تحويل الأموال القذرة من الكسب غير المشروع بأي وسيلة محرمة تبدو في ظاهرها مشروعة كالمصانع والعقارات والاراضى الزراعية لايهام الناس والمسئولين أنها مصادر شرعية وكسب مشروع واخفاء حقيقتها القذرة ومصادرها الخبيثة من مخدرات وغيرها فذلك كذب وبهتان وزور ونفاق يبقى على حقيقته كسبا خبيثا ويضيف الى ذلك تلك الإجراءات الكاذبة والتمويهات الباطلة من عمليات التحويل والبيع والشراء فتضيف الى القذارة قذارة والى الأموال النجسة عمليات وإجراءات لا تقل عنها نجاسة، فأين يكون الغسل والتطهير حينئذ ؟! إنه أبعد ما يكون عن ذلك وهذا المعنى الثانى وللأسف الشديد هو المعنى المراد في هذه الأيام في نظر الاقتصاديين فمصطلح "غسل الأموال" يطلق الان على ما يسمى بالاقتصاد الخفى والاقتصاديات السوداء او اقتصاديات الظل التي تنطوى في جزء كبير منها على كسب الأموال من مصادر غير مشروعة، ولخوف أصحابها من المساءلة القانونية وخشيتهم من الناس فانهم يلجأون بعد كسبها في غفلة من القانون او تواطؤ من القائمين عليه او في بلد اخر الى تحويل هذه الثروة غير المشروعة الى ثروة تبدو في ظاهرها مشروعة كشراء أراض زراعية او بناء عقارات او إنشاء مصانع او ايداعات في البنوك او مشاركة الآخرين، وفى ذلك قال الدكتور محمد عبد الحليم عمر " ارتبط بظاهرة الاقتصاد غير المشروع عملية غسل الأموال والتي يعنى بها اجمالا العمل على محاولة إخفاء والتعتيم على المصادر غير المشروعة للأموال بأساليب عديدة ومتنوعة لتضليل الجهات الأمنية والرقابية ‘ وإدخال هذه الأموال في دورة عمليات مشروعة ويظل يستفيد بها " (18) ومن هذا يتبين ان مصطلح غسل الأموال " مصطلح مجازى" تم فيه تشبيه الأموال القذرة بالجنب او الشئ النجس ثم حذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الغسل بالماء بقصد الطهارة والتطهير، وهذا المجاز في غير محله لأنه اذا صح في حال رد الحقوق الى أصحابها وأداء الزكاة وإزالة النجاسات فانه لا يصح في عمليات النصب والكذب والخداع التي ظاهرها الغسل والتطهير وحقيقتها المزيد من القذارة والنجاسة بالكذب والخداع وإجراء العمليات المشروعة ظاهرا.
بهذا يكون قد تبين لنا حقيقة مصطلح " غسل الأموال " والمراد منه في الاقتصاد وهذا يقتضى أن نقوم ببيان الأموال المشروعة بإيجاز والأموال غير المشروعة وكيفية تطهير كل منهما بالصورة الشرعية لنحكم بعد ذلك على عملية غسل الأموال الحديثة الحكم الشرعى الصحيح . وهذا ما يتبين في المباحث التالية.
! ! !
المبحث الثاني
الأموال المشروعة (الحلال) وأنواعها
فطر الله تعالى الإنسان على حب المال وجعله سبحانه وتعالى زينة الحياة الدنيا وأمر الله تعالى بالمحافظة عليه وجعل ذلك من الكليات والضروريات الخمسة قال تعالى ) المال والبنون زينـــة الحيــــاة الدنيــــا ( (19) وقال ) وتحبـــــون المال حبـا جما ( (20) وقـال )زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا ( (21) وجعل المال أساسا وقياما للحياة لا يجوز العبث به او إتلافـه أو اعطاؤه للسفهاء فقـال ) ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها وأكسـوهم وقولوا لهم قولا معروفا ((22) وأمر سبحانه من يعتدى على مال الغير بالاتلاف أن يضمن ما أتلفه وبالقطع على من يسرق قال تعالى ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزءا بما كسـبا نكالا مـن الله والله عزيز حكيم ( (23) والنصوص كثيرة في بيان قيمة المال وأهميته وحرمته والاعتدال في انفاقه بلا إسراف ولا تقتير كما قال تعالى
) ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا … ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقـــك ولا تبســــــطها كل البســـــــط فتقعد ملوما محسورا ( (24) إلى غير ذلك . ولما كان الإنسان مفطورا على حب المال فقد يسر الله تعالى له أسباب كسبه ونبهه إليها، وحثه على السعى فيها وعدم تجاوزها وحذره من غيرها وحرمها عليه وتوعده على تحصيلها بالعقاب في الدنيا والاخرة قال تعالى ) هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( (25) فالاسلام يأمر الإنسان بكسب المال عن طريق السعى في الأرض والعمل الجالب للكسب، ويبيح له بالتالى تملك المال والاستمتاع به، على أن يكون ذلك كله بالطرق المشروعــة التي ترضى الله، وتكسب الإنسان ثواب الدنيا والاخرة (26). وحتى يتحقق ذلك ربط الله تعالـى بين عبادته وكسب المال فقال سبحانه ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( (27) وقد يسر الله تعالى للإنسان أسباب الكسب الحلال والتملك المشروع وبسطها بين يديه وهى تحقق للإنسان الاكتفاء والغنى فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر :
1- جميع الاعمال الزراعية ما عدا النباتات المحرمة كالأفيون أو البانجو أو القات أو الدخان، وقد حث الإسلام على ذلك النشاط ورغب فيه وامتن الله على عباده بتيسيره فقال سبحانه ) وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ( (28) وقال ) فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم ( (29) وقال ) وهو الذى أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شئ فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه، انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ( (30) وقال ) وهو الذى أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( (31) وقال ) وهو الذى مد الأرض وجعل فيها رواسى وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشى الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وفى الارض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ( (32) ويقول سبحانه ) أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( (33) إلى غير ذلك من الآيات وهى كثيرة ومن الأحاديث قــــــول النبى r " إذا قامت الساعــــــة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها " (34) وقوله " ما من مسلم يغرس غرسـا أو يزرع زرعـا فيأكل منه إنسان أو حيوان أو طيـر أو بهيمة إلا كان له به أجر" (34) إلى غير ذلك من الأحاديث التي ترغب في هذا العمل وتحث عليه لما فيه من تحقيق الاكتفاء والتعرف على آيات الله وقدرته ثم شكره وعبادته، وقد عرفت الزراعة منذ نشأة الخليقة فكان النبات أولا ثم كان الحيوان كما استنبط ذلك بعض العلماء من قوله تعالى ) إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجرى في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة ( (35) وتعتبر الزراعة أساسا لجميع الموارد الاقتصاديــــــــة الأخرى من تجارة وصناعـــــة وحرف ولذلك قال الله تعالى ) ولقد مكانكم في الأرض وجعلناكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ( (36) قال القرطبى : أى جعلناها لكم قرارا ومهادا، وهيأنا لكم فيها أسباب المعيشة، والمعايش جمع معيشة أي ما يتعيش به من المطعم والمشرب وما تكون به الحياة، يقال عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشا ومعيشة وعيشة، وقال الزجاج : المعيشة ما يتوصل به إلى العيش" (37) .
2- التجارة وهى النشاط الاقتصادى القائم على تبادل السلع والمنتجات والاثمان بالبيع والشراء والشركة والاجارة والحوالة والرهن وغير ذلك من المناشط، ويجب ان تقوم على التراضى بين الأطراف المتبادلة وألا يدخلها غش او غبن او اكراه قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجـارة عن تراض منكم ( (38) وقال ) إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها ( (39) وقال ) قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها، وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسـوله وجهـاد فـي سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين ( (40) قال القرطبى : والتجارة هى البيع والشراء، … والتجارة في اللغة عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذى يعطيه البارئ سبحانه العبد عوضا عن الاعمال الصالحة التي هـى بعض من فعله، قال تعالى ) يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكــــــم من عذاب أليـــم ( (41) وقال تعالى ) يرجون تجارة لن تبور( (42) وقـال ) إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم ( (43) فسمى ذلك كله بيعا وشراء على وجه المجاز تشبيها بعقود الاشرية والبياعات التي تحصل بها الأغراض، وهى نوعان: تقلب في الحضر من غير نقلة ولا سفر، وهذا تربص واحتكار قد رغب عنه اولو الأقدار، وزهد فيه ذوو الأخطار والثانى : تقلب المال بالاسفار ونقله الى الأمصار، فهذا اليق بأهل المروءة وأعم جدوى ومنفعة غير أنه أكثر خطرا وأعم غررا، وقد روى عن النبى r أنه قال : إن المسافر وماله لعلى قلت – هلاك – إلا ما وقى الله يعنى على خطر، قال القرطبى قال الطبرى : ففى هذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره عن تكذيب قول المتصوفة المنكرين طلب الاقوات بالتجارات والصناعات .. وقيل في التوراة : يا ابن آدم أحدث سفرا أحدث لك رزقا " ثم قال : اعلم أن كل معاوضة تجارة على أى وجه كان العوض إلا أن قوله " بالباطل " أخرج منها كل عوض لا يجوز شرعا من ربا أو جهالة أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير وغير ذلك، وخرج منها أيضا كل عقد جائز لا عوض فيه كالقرض والصدقة والهبة لا للثواب، وجازت عقود التبرعات بأدلة أخرى مذكورة في مواضعها، فهذان طرفان متفق عليهما .. (44) وفى فضل التجارة والحث عليها روى الدار قطنى عن ابن عمر قال قال رسول الله r " التاجر الصدوق الأمين المسلم مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة " وقال الرازى : التجارة عبارة عن التصرف في المال سواء كان حاضرا او في الذمة لطلب الربح يقال : تجر الرجل يتجر تجارة فهو تاجر، واعلم أنه سواء كانت المبايعة بدين أو بعين فالتجارة تجارة حاضرة فقوله تعالى ) إلا أن تكون تجارة حاضرة ( لا يمكن حمله على ظاهرة بل المراد من التجارة ما يتجر فيه من الأبــــــدال، ومعنى إدارتـــها بينهم معاملتهم فيها يدا يبد"(45).
3- الصناعة وهى وسيلة من وسائل الاقتصاد وكسب المال وتقوم على الزراعة والتجارة، فهي من جهة تحول المحاصيل الزراعية الى صناعات كثيرة وبخاصة القطن والكتان والذرة والمعلبات الغذائية والعصائر وغير ذلك كما تقوم على المعادن صناعات كثيرة، ثم يتم بيع هذه المنتجات تصديرا او استيرادا وتبادلا مما يحقق دخلا كبيرا وثروة عظيمة بل إن كثيرا من البلاد الفقيرة زراعيا استطاعت بالصناعة والتجارة ان تسبق كثيرا من البلاد الزراعية، كما أن كثيرا من البلاد غير الزراعية وغير الصناعية استطاعت بالوساطة التجارية أن تحقق عوائد كثيرة، والصناعة نشاط شرعى ذكره الله تعالى عن بعض الأمم السابقة والأنبياء فقد كان سيدنا نوح نجارا وقام بصناعة السفينة قال تعالى ) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى في الذين ظلموا إنهم مغرقون. ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ( (46) وقال عن قوم هود ) أتبنون بكل ريع آية تعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ( (47) وقال عن داود عليه السلام ) وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ( (48) وقال عنه أيضا ) وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا صالحا إنى بما تعملون بصير ( (49) وقال عن سليمان ) ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهرا وأسلنا عين القطر ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه عذاب السعير. يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدروا راسيات اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادى الشكور ( (50)
4- وهناك مصادر أخرى للمال غير تلك المصادر العامة كالهبات والوصايا والميراث والدية وأروش الجنايات والصدقات والمهر والفئ والغنيمة يقول الرازى : واعلم أنه كما يحل المال المستفاد من التجارة، فقد يحل أيضا المال المستفاد من الهبة والوصية والإرث وأخذ الصدقات والمهر وأروش الجنايات فإن أسباب الملك كثيرة سوى التجارة " (51)، وما دام المال حلالا حيث تم اكتسابه بالأساليب الشرعية فإنه يحقق الملكية لصاحبه تلك الملكية التي تعنى الاختصاص به والقدرة او حق التصرف فيه وعن هذا المعنى يقول الدكتور محمد بلتاجى : " شرع الإسلام الملكية الفردية – بشروطها – فأباح لكل فرد أن يتملك – بالأسباب المشروعة – ما يشاء من المنقولات والعقارات وأباح له استثمارها والانتفاع بها في نطاق الحدود التي رسمها وخوله حق الدفاع عنها كالدفاع عن النفس والعرض ولو بقتل الصائل عليها، وقد اعتبر الشارع المال من الكليات الخمس التي تقوم بها حياة الناس وشرع الحدود والعقوبات والزواجر للحفاظ عليها، ومن ثم جاء حد السرقة وحد الحرابة وجاءت النصوص المتعددة التي تنهى عن تعدى حدود الله، ومشروعية الملكية الفردية " بدهية لا تحتاج الى استدلال "(52) ثم قال عن أسباب هذه الملكية : يرى المرحوم الشيخ أحمد ابراهيم ان الإنسان يستفيد الملك وتثبت له حقوقه بالأسباب الآتية :
1وضع اليد على الشئ المباح الذى لا مالك له.
2العقود الناقلة للملك من مالك إلى آخر كالبيع والهبة والوصية.
3الميراث
4الشفعة وهى حلول الشريك أو الجار محل المشترى في ملكية العقار المبيع اذا طلب أحدهما ذلك، لكننا في هذا نلاحظ أن حصر أسباب الملكية الفردية في الأسباب السابقة يغفل أسبابا اخرى من أسباب الملك في الإسلام وهى العمل، والقتال، والجناية " (53) .
وهو بهذا يشير الى ما سبق أن بيناه من النشاط الزراعى والتجارى والصناعى ثم ما ذكره الرازى من الهبة والوصية والميراث والدية وأرش الجناية والصدقة والمهر وما أضفناه من الفئ والغنيمة والسلب ووضع اليد على الشئ المباح كإحياء الموات والصيد . وهذا يقودنا إلى معرفة المقابل وهو المال الحرام وذلك في المبحث التالى.
المبحث الثالث
الأموال الحرام وأنواعها
وهى الأموال التي تكتسب او تحاز بطرق غير مشروعة وهى التي ورد النهى عنها، او ورد الحد على ارتكابها، او ورد وعيد شديد على حيازتها او سماها الله تعالى باطلا ويشمل جميع ما سبق فمما ورد النهى عنه دون الحد الربا، ومما ورد فيه الحد السرقة والحرابة، ومما ورد فيه الوعيد الشديد أكل أموال اليتامى ظلما وبيع الحر وأكل ثمنه وهكذا، ويمكن حصر هذه الأموال المحرمة في أصلين هما " أكل أموال الناس بالباطل " و " تعدى حدود الله في التصرفات المالية " أما الأول فقد أشار الرازى إليه اجمـــالا بقوله : " ذكروا في تفســـير الباطل في قولـــــــــه تعالى ) يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( وجهتين : الزور وأخذ المال باليمين الكاذبة وجحد الحق … الثانى : ما روى عن ابن عباس والحسن رضى اله عنهم أن الباطل هو كل ما يؤخذ من الإنسان بغير عوض … ويدخل تحته أكل مال الغير بالباطل، وأكل مال نفسه بالباطل .. أما أكل مال نفسه بالباطل فهو انفاقه في معاصى الله، وأما أكل مال غيره بالباطل فقد عددناه .. " (54)
وقال القرطبى في تفسير قوله تعالى ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ( (55) الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد r والمعنى لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق، وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغى وحلوان الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك … وقال قوم : المراد بالآية ) ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( أي في الملاهى والقيان والشرب والبطالة، ومن أخذ مال غيره لا على وجه إذن الشرع فقد أكله بالباطل، ومن الأكل بالباطل أن يقضى القاضى لك وأنت تعلم أنك مبطل فالحرام لا يصير حلا لا بقضاء القاضى لأنه إنما يقضى بالظاهر، وهذا إجماع في الأموال .. ثم قال: المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكام وترشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها .. قال ابن عطية : وهذا القول يترجح لأن الحكام فطنة الرشاء الا من عصم وهو الأقل …. وقد اتفق أهل السنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مال قل أو كثر أنه يفسق بذلك، وأنه محرم عليه أخذه " (56) وقد علق الدكتور محمد بلتاجى على ذلك بقوله : فالباطل إذن هو ما جاء بخلاف قواعد الشرع، وقد نبهت آية البقرة إلى حرمة الاستعانة على ذلك برشوة الحكام ) وتدلوا بها إلى الحكام ( أما آية النساء فقد استثنت من أكل المال بالباطل ما كان ) تجارة عن تراض منكم ( لكن التراضى على ما حرمته الشريعة لا يغير وصف الباطل عن المعاملة لمجموع ما سبق، وإذن فالتراضى المعتبر المقصود في هذه الآية إنما هو التراضى في نطاق ما أذن فيه الشرع كما يقول ابن رشد : تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار ولا حرمة، إذ إن التراضى بما فيه ذلك " لا يحل ولا يجوز " (57) ولا يعطيه المشروعية إذ لا مشروعية إلا من قبل المشرع، ويستدل الإمام الشافعى لذلك بقوله : قلما نهى رسول الله r عن بيوع تراضى بها المتبايعان استدللنا على أن الله عز وجل أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه r دون ما حرم على لسانه، فأصل البيوع كلها مباح اذا كانت برضا المتبايعين الجائزى الامرى فيما تبايعا الا ما نهى عنه رسول الله r منها وما كان في معنى ما نهى عنه رسول الله r محرم بأنه داخل في المعنى المنهى عنه، وما فارق ذلك أبحناه بما وصفنا من إباحة البيع في كتاب الله تعالى " (58) ثم قال (59) : لقد نهت الشريعة عن ثمانية أمور رئيسية استتبع النهى عنها النهى عن أمور كثيرة تفصيلية تتصل بها وتؤدى إليها، أما الأمور الثمانية فهي : الربا، والغرر، والمقامرة، والغش، والغصب، والاحتكار، والرشوة، والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمور والخنزير والميتة والأغذية الفاسدة، وثمن الكلب، ومهر البغى، ثمن الحر.. الخ، وأما الأمور التفصيلية المتصلة بها والمؤدية إليها فهي مثل : النهـى عن التصرية (60)، وتلقى الركبان، والتناجش (61)، وبيع حاضر لباد، والبيع على بيع من سبقه، والمزابنة (62)، وبيع الثمر قبل بدو صلاحه، وبيع التمر بالثمر – مع الترخيص في العرايا (63)– والمنابذة (64)، والملامسة (65) وبيع الحصاة (66)، وبيع كالئ بكالئ (67) فجميع هذه المعاملات محرمة ومنهى عنها أصولا وفروعا أو إجمالا وتفصيلا وليس هذا محل عرضها بالتفصيل وبيان أسباب تحريمها وأدلته لذا نكتفى بالقاء الضوء عليها جملة . ولما كان الربا معروفا ننتقل إلى غيره . .
فالغرر : ما فيه جهالة أو خديعة أو مخاطرة ويتدرج فيه بيع الملامسة، وبيع حبل الحبلة (68)، وبيع الحصاة، وعسب الفحل (69)، والمعاومة (70)، وبيع السنين، وبيع العربون (71) ونحو ذلك مما فيه غرر كبيعتين في بيعة، وبيع وشرط وبيع وسلف وعن بيع السنبل حتى يبيض، والعنب حتى يسود، وعن المضامين والملاقيح، وكل ذلك ورد النص بالنهى عنه فهو حرام، والمسائل المسكوت عنها مختلف فيها بين الفقهاء، قال النووى : النهى عن بيوع الغرر يشمل مسائل كثيرة غير منحصرة كبيع المعدوم، والمجهول وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير واللبن في الضرع والحمل في البطن، وثوب من أثواب، وشاه مبهمة من شياه " (72) .
والمقامرة : هى الميسر المنهى عنه بنص القرآن، وقد كان الرجل في الجاهلية يخاطر الرجل أي يقامره على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه – أى غلبه ذهب بماله وأهله فنزلت أية النهى (73)، فكل معاملة يتحقق فيها معنى المقامرة أو المراهنة فهي حرام.
والغش : في كل صور المعاملات والتصرفات حرام فيدخل فيه كل محاولات إخفاء العيوب في المصنوعات والبضائع، كما يدخل فيه كل صور تزيينها واظهارها في وضع افضل من حقيقتها بالتدليس والخداع، وكل ما ينتج عن ذلك من أموال فهي حرام.
والغصب : استيلاء على مال الغير بغير حق، ففيه ظلم وقهر وتعد، وهو محرم بالكتاب والسنة والاجماع لما فيه من أكل أموال الناس بالباطل.
والاحتكار : حبس ما يحتاجه الناس لإغلائه عليهم اضرارا بهم واستغلالا لحاجتهم واضطرارهم ففيه ظلم وسوء معاملة وشح وكل ذلك حرام وما ينتج عنه من مال ومكاسب فهو حرام وعلى ولى الأمر مقاومة ذلك ومصادرة هذه الأموال.
والرشوة : قصد لأكل أموال الناس بالإثم كما جاء في الآية الكريمة، ولكنها تشمل أيضا الحصول على ما ليس بحق مالا أو غيره لعموم أحاديث النهى عنها دفعا وأخذا وتوسطا بينهما، فكل ما يتم بذلك أو ينتج عنه فهو حرام.
والتجارة في المواد المحرمة والضارة كالخمر والميتة والخنزير والاصنام، ومن ذلك سائر المخدرات الحديثة، وتجارة السلاح وتهريبه، وتجارة الأطفال والنساء والبغاء والسهرات الحمراء والرقص والتمثيل والغناء والموسيقى غالبا، والاشرطة المخلة بالاداب، ومحال عرضها، وبيع الأشياء المباحة لمن يعلم أنه يستخدمها في الحرام، ومما يلحق بالمخدرات الأدخنة والقات، فكل هذه المعاملات وما يشبهها يدخل في الأموال المحرمة التي لا يجوز اكتسابها . أما الأصل الثانى الذى يرجع إليه تحريم بعض الأموال فهو تعدى حدود الله في الإنفاق بالإسراف والتبذير أو البخل والتقتير، وتمييز بعض الأبناء بعطية دون الآخرين بلا سبب شرعى، والتحايل على أحكام الله في الميراث بالوصية أو المواضعة على إظهار بيع أو دين صورى لأجنبى، او التهرب من إخراج الزكاة ببيعها قبل الحول ثم شرائها وهكذا .
! ! !
المبحث الرابع
غسل الأموال الشرعى
عرفنا في المبحث الأول معنى الغسل وتبين لنا أنه في الأصل والحقيقة يعنى التطهير فاذا أضيف الى الأموال كان معناه تطهيرها من النجاسة الحقيقية كالميتة والخنزير والدم والخمر أو النجاسة المعنوية كحقوق الفقراء ونحوها في أموال الأغنياء، وهذا المعنى الأصيل أو الحقيقى هو ما نبين كيفيته في هذا المبحث في كل ما سبق بيانه من الأموال الحلال والحرام في المبحثين السابقين وهذا هو الغسل الشرعى المطلوب، أما غسل الأموال بالمعنى الخبيث والمصطلح الحديث الذى ظهر أخيرا بقصد تزييف الحقائق وإخفائها وإضفاء الشرعية على الأموال المحرمة بعدة إجراءات هروبا من القانون وخشية للناس فهذا سنتناوله في المبحث القادم إن شاء الله فلنبين الان الغسل الشرعى على النحو الآتي :
أولا : غسل الأموال الحلال:
ويتم ذلك باخراج الحقوق الشرعية الواجبة فيها في مواعيدها الشرعية ومقاديرها الشرعية كما فرضها الله تعالى وبينها رسوله r، وهذا الحقوق تتمثل فيما يلى :
أ- زكاة المال حسب أنواع المال ونصاب كل نوع والمقدار الواجب كل عام او عند الحصاد او الحصول على الركاز كما هو مقرر في السنة النبوية ، واخراج ذلك المقدار الواجب الى المصارف الشرعية المعروفة.
ب- زكاة الفطر المفروضة كل عام بمناسبة الانتهاء من صيام رمضان وبدء هلال شوال وعيد الفطر طهرة للصائمين وطعمة للمساكين.
ج- المقادير والوظائف التي يفرضها ولى الامر فوق الزكاة التي لم تتسع لحاجة الفقراء فيفرض على الأغنياء ما يسع الفقراء.
د- الكفارات الواجبة ككفارة اليمين والظهار والجماع في نهار رمضان، والفدية (74) .
هـ- الديات وأروش الجنايات كدية المقتول خطأ أو المقتول عمدا مع العفو عن القصاص أو ديات الأعضاء أو أروش الجروح.
و- النذور التي يفرضها المسلم على نفسه لله تعالى فإنها واجبة الوفاء.
ز- صدقة التطوع وأمثالها من الأوقاف والهبات والوصايا في وجوه الخير، وحقوق الجار، وحقوق الضيف.
ح- النفقات الواجبة شرعا للزوجة والأبناء والوالدين والخدم والبهائم والرقيق وأجور العمال ونحو ذلك من نفقة العدة والمتعة والحضانة والرضاعة، والمهر .
ط- الضرائب العامة التي يفرضها ولى الامر لمصلحة المجتمع : فهذه الأبواب كلها غسيل لا بد منه للأموال الحلال حتى تبقى على طهارتها ونقائها وحتى يبارك الله تعالى فيها وينميها، وإهمال هذه الحقوق او بعضها او التقصير في آدائها يشكل ذنبا عظيما عند الله، ويجب على ولى الامر مقاومته ومقاتلته، وينجس المال ويتلفه وينزع البركة منه، والآيات والأحاديث في وجوب تلك الأبواب والحث عليها وبيان فضلها، والتحذير من التقصير فيها والوعيد على إهمالها كثيرة ومجال تفصيلها في أبواب الفقه وكتبه وكتب التفسير والحديث .
ثانيا : غسل الأموال الحرام :
ويكون ذلك بالتخلص منها بالكلية، او بالجزء المحرم منها، وذلك عن طريق اعادة الأموال إلى أصحابها، او تعويضهم عما دخل في أموالهم من الغش والخداع والنقص، واصلاح البيوع الفاسدة وتصحيح المعاملات السيئة، وأساس ذلك كله التوبة النصوح، وهى كما نعلم لا تتحقق ولا تكون نصوحا حتى يقلع العاصى عن معصيته، ويندم على ارتكابها، ويعزم ويعاهد الله على ألا يعود إليها، ويرد الحقوق الى أصحابها، وتطبيق ذلك على الأموال الحرام التي سبق بيانها يكون بغسلها وتطهيرها إن كان خالطها حرام كالربا مثلا فقد قال تعالى ) وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ( أما ما زاد عن رأس المال بالمعاملة الربوية فهو حرام يجب التخلص منه وغسل رأس المال منه وذلك التصدق به على إحدى الجهات الخيرية والمؤسسات الاجتماعية، ومن أكل أموال الناس بالباطل غصبا أو رشوة أو غشا أو غررا عليه اعادة ذلك لاصحابه، ومن تاجر في المحرمات من مخدرات ورقيق وأغذية فاسدة ونحو ذلك لا بد ان يتجرد من كل ما دخله منها هذا فيما بينه وبين الله اذا أراد غسل ماله والتوبة النصوح ولا سبيل غير ذلك، وإن علم ولى الامر بسلوكه وعدم توبته قام بمصادرة أمواله وتعزيره التعزير المناسب على أكل الحرام وكسب الحرام . وفى ذلك يقول الدكتور محمد بلتاجى : لولى الامر ان يتلف بعض الملكيات الخاصة حماية للناس مما يمكن ان تسببه لهم من ضرر، ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن القيم من تحريق الكتب المضللة وإتلافها (74) ويقاس على ذلك المطبوعات الضارة من صور وكتابة وغيرهما مما يمكن ان يتداول بين الناس فيؤدى الى الإضرار بهم، ومثل ذلك المواد الضارة كالأطعمة الفاسدة او المسممة ونحوها، وبداهة فان هذا لا يمنع من ايقاع عقاب تعزيرى آخر بمالك هذا او مقتنيه فقد عاقب عمر - رضى الله عنه – بإراقة اللبن الذى شابته صاحبته بالماء (75)، وذلك ان من أصول النظام الاقتصادى الإسلامي التزام الدولة الاسلامية بالإشراف على تطبيق المقـررات الاسلاميـة في المال وحمل الناس على ان تكون معاملاتهم في نطاق ما هو مشروع (76) " وقال القرطـــــبى في تفسير قوله تعالى) وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ( فردهم تعالى مع التوبة إلى رءوس أموالهم وقال لهم لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رءوس أموالكم فتذهب أموالكم، .. وفى الآية تأكيد لابطال ما لم يقبض منه – الربا – وأخذ رأس المال الذى لا ربا فيه، فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد … وذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال اذا خالطه حرام حتى لم يتميز، ثم خرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لأنه يمكن ان يكون الذى أخرج هو الحلال والذى بقى هو الحرام، قال ابن العربى : وهذا غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه، ولو تلف لقام المثل مقامه، والاختلاط إتلاف لتمييزه، كما أن الإهلاك اتلاف لعينه، والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسابين معنى، والله أعلم، قلت : قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه، ويطلبه إن لم يكن حاضرا، فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه، وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه، فإن التبس عليه الامر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده، حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذى أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه فإن أيس من وجوده تصدق به عنه، فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما الى المساكين، وإما الى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده الا اقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته الى ركبته، وقوت يومه، لأنه الذى يجب له أن يأخذه من مال غيره اذا اضطر إليه، وإن كره ذلك من يأخذه منه، وفارق ها هنا المفلس في قول أكثر العلماء لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء، بل هم الذين صيروها إليه فيترك له ما يواريه، وما هو هيئة لباسه (77) .
وهكذا يبين لنا القرطبى كيفية التوبة من الربا وأمثاله من كل مال حرام، وذلك بإعادة المال الحرام إلى أصحابه فإن لم يتيسر فليتصدق به، فإن كان مضطرا لم يستبق من ذلك الا ما هو ضرورى لحفظ النفس وستر العورة . وبمثل ذلك قال في توبة المحارب في تفسير قوله تعالى ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ( (78) حيث قال : استثنى جل وعز التائبين قبل ان يقدر عليهم، وأخبر بسقوط حقه عنهم بقوله ) فاعلموا أن الله غفور رحيم ( أما القصاص وحقوق الآدميين – الأموال – فلا تسقط، ومن تاب بعد القدرة فظاهر الآية ان التوبة لا تنفع، وتقام الحدود عليه كما تقدم، وللشافعى قول أنه يسقط كل حد بالتوبة والصحيح من مذهبه أن ما تعلق به حق الآدمى قصاصا كان أو غيره فإنه لا يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه (76) ويفرق الدكتور محمد عبد الحليم عمر بين الغسل بمعنى تطهير المال الحرام والتوبة منه برد المظالم الى أصحابها، وبين الغسل كمصطلح حديث يقوم على الخداع واخفاء الجريمة وإظهار المشروعية فيقول : إن مصطلح غسيل الأموال الذى ظهر على الساحة الاقتصادية الان يعنى القيام بتصرفات مالية مشروعة لمال اكتسب بطرق غير مشروعة عن طريق استخدامه ولمرات عديدة وفى جهات مختلفة وبأساليب عدة وفى وقت قصير في الاستثمار في أعمال مشروعة مثل الإيداع في بنوك خارجية، وإدخاله بطريقة مشروعة الى البلاد، أو محاولة إخراجه من البلاد بطريقة مشروعة عن طريق التحويلات الخارجية او تدويره في شراء عقارات ثم رهنها والاقتراض بضمانها، أو تداول المال في البورصات المحلية والعالمية أو إنشاء شركات وهمية وإُثبات معاملات مزورة باسمها بهذا المال، وذلك كله من أجل محاولة إخفاء المصدر غير المشروع للأموال وتضليل الاجهزة الرقابية والأمنية للإفلات من العقوبات المقررة عن الجرائم الاقتصادية التي ارتكبها، أما مصطلح التوبة من المال الحرام فإنها تعنى بداية التوقف عن الكسب الحرام، ثم حصر وتحديد ما سبق ان كسبه، والتصرف فيه برد المظالم إلى أصحابها، فاستخدام مصطلح غسيل الأموال استخدام مضلل يضيف جريمة اخرى الى جرائم كسب المال بينما التوبة مصطلح شرعى يهدى الى الطهارة الحقيقية من الكسب الخبيث، وعملية غسل الأموال تزيد الجرائم الاقتصادية وتتوسع فيها بينما التوبة من المال الحرام تؤدى إلى تقليل ذلك وتحد منه، وغاسل الأموال المحرمة يخشى الناس أما التائب فيخشى الله، وغسل الأموال سلوك سيئ مجرم قانونا بينما التوبة سلوك حميد مطلوب شرعا (80) ثم قام الدكتور عمر بتقديم جداول للمال الحرام ومصادره وأنواعه (81) لا تخرج عما سبق بيانه، وجداول لكيفية التخلص من المال الحرام (82) تتفق مع ما سبق ذكره عن القرطبى وغيره.
المبحث الخامس
غسل الأموال غير الشرعى
عرفنا مما سبق أن الغسل الحقيقى يعنى النظافة والتطهير، وأن ذلك ينطبق على الأموال الحلال بإخراج الحقوق الواجبة منها في مواقيتها الشرعية ومقاديرها الشرعية، كما ينطبق على الأموال الحرام بالتخلص منها إن كانت كلها حراما أو بالبعض المحرم منها إن اختلط الحلال بالحرام، وبإعادتها لأصحابها إن كان أصحابها معروفين فإن لم يكونوا معروفين فبالتصدق منها في جهات الخير، ومع ذلك يكون الاستغفار والتوبة والندم على تحصيل المال الحرام ومعاهدة الله تعالى على عدم العودة الى ذلك أبدا كما أن على ولى الأمر إذا عرف بهذا المال الحرام أن يصادره وأن يعزر من يكتسبه بما يناسب أما إن تاب وأناب وأعاد الحقوق إلى أصحابها وتخلص من الحرام قبل أن يكتشفه الإمام فيعفو عنه ولا يعزره لقوله تعالى ) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم( (83) .
أما غسل الأموال بالمصطلح الحديث الشائع الآن الذى يعنى تزييف الحقائق وتحويل الأموال المحرمة إلى أموال مشروعة في الظاهر وإخفاء حقيقة كسبها والتهرب من القوانين والخشية من الناس فهذا غسل غير مشروع لأنه ليس نظافة ولا تطهيرا بل إنه كذب وخداع ونفاق وتضليل وأكل لأموال الناس بالباطل وكسب خبيث حرام وتهرب من القانون، فهو جريمة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وهو يضيف إلى وزر الكسب الخبيث الحرام وزر الكذب والغش والنفاق وكل الجرائم المترتبة على عملية الغسل أو كما يسمونها تبييض الأموال، ومن هنا تضافرت الجهود المحلية والإقليمية والدولية لمكافحة هذه الجريمة وإظهار خطورتها ومضارها على الجميع، وفى هذا المبحث نحاول بيان ذلك حتى نقف على هول هذه الجريمة وأساليب مكافحتها.
أ- خطورتها وحجمها :
تعتبر عملية غسل الأموال المحرمة وتبييضها بالصورة غير المشروعة التي بيناها عدة جرائم مركبة لا جريمة واحدة فهي أولا أموال محرمة لا يصح تملكها او اكتسابها وهى ثانيا تتحول بإجراءات معينة في الظاهر الى أموال مشروعة ظاهرا والحقيقة أنها غير مشروعة، وهى ثالثا محاولة للتهرب من القانون والمسئولية عن كسب هذه الأموال وحيازتها، وهى رابعا كذب وغش وخداع للناس، وتنعكس هذه الجرائم المركبة آثارا ضارة على المجتمع والاقتصاد، مما حدا بالمسئولين والخبراء الى بيان هذه الخطورة وحجمها وسن القوانين والعقوبات المناسبة لمكافحتها فمن ذلك دعوة الأستاذ إبراهيم نافع رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية حيث يقول : "الرشوة والفساد وتهريب الأموال والتهرب الضريبى والتلاعب في المال العام، وغسل الأموال والتجسس الاقتصادى، كل تلك المفردات هى التي تشكل اليوم تهديدا حقيقيا للأمن القومى في مصر، فتحديات الأمن القومى لم تعد مقصورة في عالم اليوم على الصراعات العسكرية أو على مواجهة الجرائم السياسية والارهابية، بل اتسعت لتشمل قضايا الأمن الاقتصادى، خاصة بعد أن اصبح الاقتصاد ميدان المنافسة الأول بين بلدان العالم (84).
ويقول الدكتور سعيد اللاوندى تحت عنوان : الإرهاب وغسل الأموال : رؤية أوربية " اكتشفت أوربا يا للهول أن عواصمها الكبرى مثل لندن وباريس وجنيف وبروكسل ومدريد تتم فيها عمليات غسل الأموال عيانا جهارا، وكأنها عمليات بيع وشراء عادية لا يكاد يكترث بها أحد الا المعنيون بحركة التجارة ربحا وخسارة، كما اكتشفت أيضا أنها تحولت الى قاعدة خلفية للارهاب بعد ان استضافت طوال السنوات العشر الماضية كل المعارضين والمتطرفين، ولم تستيقظ لذلك الا بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن …" (85).
وتحت عنوان " رؤية تحليلية لظاهرة غسل الأموال " يقول الدكتور محمود شريف أستاذ القانون الجنائى الدولى بجامعة دى بول بشيكاغو : شهدت الاونة الأخيرة اهتماما عالميا بظاهرة غسل الأموال نظرا لما تمثله من خطورة بالغة على صعيد المجتمع الدولى، خاصة فيما يتعلق بالناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وهو الامر الذى حدا بالعديد من الدول الى سن التشريعات الوطنية وابرام الاتفاقيات الدولية فيما بينها لمجابهة تلك الظاهرة، وتشير التقديرات العالمية الى ان الدخل العام لتجارة المخدرات دوليا يبلغ حوالى خمسمائة مليار دولار سنويا، ويضاف إليها مبالغ اخرى لا يمكن تقديرها من ناتج جرائم اخرى بما في ذلك الأموال غير الشرعية الناتجة من صور الفساد والكسب غير المشروع، ومن ثم فإن هناك مليارات الدولارات يتم غسلها سنويا في دول مختلفة بهدف إضفاء صفة الشرعية عليها لاعادة استخدام جزء منها في تجارة المخدرات وأعمال إجرامية اخرى، أما عن الطريقة التي تتم بها فيستخدم غسل الأموال بعض البنوك والشركات المصرفية والاستثمارية في الدول التي يسمح المناخ الاقتصادى والسياسى فيها بهذا النوع من المعاملات المالية، وقد تتم أغلب هذه المعاملات في ظل سرية الحسابات البنكية والحسابات المرقمة والشركات ذات الأسهم المحمولة .
إن إضفاء صفة الشرعية على الأموال الناجمة عن جرائم وأعمال غير شرعية لا يعنى بالطبع ان القائمين على تلك العملية سوف يستخدمونها في أعمال شرعية عقب غسلها، بل إن الجزء الأكبر منها قد يعاد استخدامه في أعمال غير شرعية بالإضافة الى استخدامها في أعمال فساد مثل رشوة السياسيين والموظفين العموميين في الدول التي يرغب أصحاب تلك الأموال في زيادة أنشطتهم وكسبهم غير المشروع بها ثم يقول: أما بالنسبة للوضع في مصر فهناك نوعان من الأموال تستهدف السوق المصرية بقصد غسلها، أولهما رءوس أموال مصرية مصدرها داخلى ناتجة عن أعمال فساد وعمليات إجرامية يتم غسلها في الداخل، والثانى هو رءوس أموال تأتى من الخارج متخذة من الشكل التقليدى لتمويل اجنبى لمشروعات خاصة ستارا لها " (86) .
وفى ندوة عقدها الأهرام الاقتصادى حول غسل الأموال قال الدكتور نبيل حشاد الخبير المصرفى : إن ظاهرة غسيل الأموال أخذت في الانتشار عالميا خلال السنوات الأخيرة خاصة عبر المصارف من دولة الى اخرى حيث يتم تبييضها وتأخذ صفة الشرعية كأنها آتية من مصدر مشروع، وقدرت المنظمة الدولية لمكافحة غسيل الأموال "الكومنست" الأموال القذرة المغسولة بنحو ما بين 500 مليار إلى 1.5 تريليون دولار طبقا لإحصائيات عام 2000 وهو ما يتراوح بين 5% إلـى 1.5% من الناتج العالمى، ويلاحظ تفاوت بين الحدين الأعلى والادنى نظرا لصعوبة التقدير الواقعى لغسيل الأموال .." (87)
وفى الندوة نفسها يشير الدكتور حسن أبو زيد عميد كلية التجارة بجامعة القاهرة إلى أن عمليات غسيل الأموال تتم الان باستخدام احدث سبل التكنولوجيا والاتصــــالات الحديثــــة في نقل الأمـــوال من بنك لآخر والإنــــترنت خير شاهد على هذا " (88)
وفى الندوة نفسها يقول الدكتور حمدى عبد العظيم مدير مركز الدراسات والبحوث بأكاديمية السادات ان المخدرات وحالات الفساد الإداري والرشاوى والاختلاسات والمناقصات والمزايدات مع شركات عالمية هى أساس عمليات غسيل الأموال، وطبقا للتقديرات التي ساقها البنك الدولى فقد ارتفع حجم غسيل الأموال الى 283 مليار دولار في الولايات المتحدة و 55 مليار دولار في إيطاليا و 24.6 مليار في ألمانيا و 24.2 مليار في اليابان و 23.3 مليار دولار في كندا و22 مليار دولار في فرنسا، وحذر من خطورة مواقع الإنترنت التي تعلن أرقاما غير دقيقة عن الظاهرة(88) ومن هذه الأقوال وأمثالها كثير يتبين أننا امام جريمة كبرى تتألف من عدة جرائـــم لا تهدد الأمن المحلى لأى بلـــــد فقــط بل تهدد الأمن الإقليمي والعالمى في عنصريه الحيويين الاقتصاد والاجتماع . وقد قدم الدكتور محمد عبد الحليم عمر (89) جدولا إحصائيا بعدد الجرائم الاقتصادية في بعض المجالات في عام واحد سنة 1996م في مصر يكشف عن مدى خطورة هذه الجرائم وتزايدها كما يلى :
المبلغ
عدد القضايا
نوع الجرائم
52229520
ــ
2505544636
ــ
13939745 طنا من السلع
ــ
ــ
10281562597
95533835
5153499632
96844390
43324666
453
298
780
3272
84274
46237
5401
10107
942
413
605
256975
الرشوة والاستغلال
جرائم النقد
جرائم الاختلاس
جرائم التزييف والتزوير
جرائم التموين والتجارة
جرائم البيئة والمسطحات المائية
جرائم السياحة والآثار
جرائم التهرب من الضرائب
التهرب الجمركى
التهرب من ضريبة المبيعات
جرائم الاعتداء على ممتلكات الدولة
جرائم سرقة الكهرباء
1822853929
300680
الإجمالــي
وهذا الجدول على قدمه وعدم شموله لكل أنشطة الأموال القذرة ومصادرها فإنه مؤشر خطير في جملته على كثرة أنواع الأموال القذرة وحجم خطورتها فكيف لو تم حصر هذه المصادر بدقة هذا العام او العام السابق ؟
من هنا كان لا بد للمسئولين أن يقوموا بمكافحة هذه الجرائم وسن القوانين الصارمة لمكافحتها والتعاون مع سائر الدول في كشفها وتعقب أصحابها وقد تم ذلك وما زال بين سائر الدول كما يتبين من التقارير التالية .
ب- مكافحتها : بدأت مكافحة هذا النشاط القذر في أمريكا وأوربا ثم انتقل الى مصر والوطن العربى كما يتبين في هذا العرض :
5تحت عنوان " قراءة في مشروع قانون غسل الأموال " ذكر الأهرام هذه الفقرة " تزايد أخيرا الاتجاه الدولى نحو مكافحة عمليات غسيل الأموال من خلال جهود دولية ووطنية متكاملة استهدفت الحد من تلك الظاهرة والحيلولة دون نموها لما لذلك من اثار بالغة على الاستقرار الاقتصادى على مستوى العالم، فعلى المستوى الدولى يمكن ان يؤدى غسل الأموال الى انتقال رءوس الأموال من الدول ذات السياسات الاقتصادية الجيدة ومعدلات العائد المرتفعة الى الاقتصاديات الفقيرة وذات العائد المنخفض بما يضر بمصداقية الأسس الاقتصادية المتعارف عليها كما تؤثر عمليات غسل الأموال بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصادات الدول، وفى ظل تدويل الاقتصاد العالمى، ونمو فعالية أسواق المال الدولية اصبح من اليسير انتقال رءوس الأموال عبر الحدود، وقد أدى ذلك الى تزايد الجريمة الاقتصادية المنظمة وتزايد حركة تداول أموال المنظمات الإجرامية على المستويين المحلى والدولى بهدف تغيير صفة الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة واعادة تدويرها في مجالات وقنوات استثمار شرعية تبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع (90)
6وتحت عنوان : الإرهاب وغسل الأموال : رؤية أوربية ذكر الدكتور اللاوندى : بعد أحداث 11 سبتمبر في نيويورك وواشنطن لم تتوقف الاجتماعات الاستثنائية لقادة اجتماعات اتحاد أوربا ووزراء العدل والداخلية والمالية فيها وكأنها في حالة انعقاد مستمر فالحدث جلل والوقت اصبح أقصر من أن يتحمل تسويفا أو تأجيلا، وكان لا بد من فتح جميع الملفات والخوض في كل المحاذير دون استثناء لأن الرهان هو مستقبل أوربا ولا شئ اخر غير ذلك كما أكد رئيس وزراء بلجيكا .. أما المطلب الملح الذى تحقق حوله إجماع الدول الـ 15 ومجموعة الدول الثمانى الكبرى أيضا فهو القضاء على شبكات تمويل الإرهاب في أسرع وقت ممكن، وهو ما يفرض بالضرورة سن جملة من القوانين الجديدة لوقف جميع أشكال غسل الأموال القذرة الخاصة بتجارة المخدرات والجريمة المنظمة والأعمال الإرهابية، وفى هذا الاطار تقرر تحطيم السرية المفروضة على الحسابات كما بات لزاما على أصحاب الكازينوهات وشركات المقاولات الكبرى وخبراء المحاسبة والمحامين أن يقوموا بالتبليغ عن أي شخص يتعامل معهم ويشكون في أن منابع أرصدته تتصل بشيكات المافيا أو دوائر غسل الأموال داخل أوربا أو خارجها باعتبار ان عمليات غسل الأموال تجرى على هامش الحياة الاجتماعية وتدور في الخفاء وتضر بقاعدة التضامن التي تفخر الديمقراطية الغربية بأنها أسستها. (91)
7وقد انتقلت هذه الجهود الدولية وذلك النشاط المكثف إلى الوطن العربى لمواجهة مخاطر غسل الأموال القذرة فعقدت مؤتمرات وندوات أسفرت عن الضرورة الماسة لسن القوانين والعقوبات لمكافحة هذه الجرائم فمن ذلك ما نشره الأهرام الاقتصادى تحت عنوان " المصارف والمؤسسات المالية العربية تواجه مخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب حيث قال : تواجه المصارف والمؤسسات المالية العربية تحديات صعبة في المرحلة الحالية ومن أهمها عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهى التحديات التي تحوز اهتمام المجتمع الدولى، وقد اتخذت المؤسسات المالية والمصارف العربية جميع التدابير الممكنة والفعالة في مواجهة هذه الظاهرة، وهذا ما أكده جوزيف طربية رئيس اتحاد المصارف العربية والدكتور فؤاد شاكر الأمين العام للاتحاد خلال مداخلتين لهما في مؤتمر مكافحة تبييض الأموال الذى عقده الاتحاد في بيروت حيث أكدا أن أحداث 11 سبتمبر تبعها إجماع دولى على مكافحة الإرهاب من خلال منعه من استخدام تقنيات النظام المالى في تنفيذ أهدافه، وشدد شاكر وطربية على أهمية اعتماد المصارف والسلطات النقدية لمعايير تحقيق في أنظمة الدفع والتحويلات الإلكترونية، وشددا على أن المصلحة العربية العامة تقتضى حفظ القطاع المصرفى العربى من العمليات غير المشروعة لأن اقتصاد الجريمة لا يمكن الاعتماد عليه كبديل للاقتصاد الشرعى، فالجميع داخل الاقتصادات والقطاعات المصرفية العربية متفقون على أهمية السعى لجذب الأموال المحلية والأجنبية للاستثمار وداخل الدول العربية، ولكن مع الحذر والتنبيه لمنع تسرب الأموال القذرة لما يلحقه هذا الامر من أضرار كبيرة بسمعة المنطقة العربية وتنميتها المالية وخططها التنموية، وطالب رئيس اتحاد المصارف العربية بإنشاء آلية عربية للتنسيق في المكافحة الجماعية لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب " (92)
8وكان لمصر جهود كبيرة في مضمار مكافحة هذه الجرائم حيث قامت بسن قانون ينص في مواده على تجريم وعقاب من يقوم بالمشاركة في هذه الجرائم وقامت وزارة العدل والمالية بالتعاون في صياغة هذا القانون ومواده وعرضه ومناقشته أمام مجلس الشورى والشعب لاقراره يقول الأهرام تحت عنوان وزير العدل أمام مجلس الشورى : مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال يحصن الاقتصاد المصرى من الهزات المالية " جاء فيه : أكد المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل أن الشواهد والدراسات تثبت أن حجم الأموال التي يتم غسلها داخل الاقتصاد المصرى تمثل حوالى 30% من الحجم الكلى للاموال، وقال إن عمليات غسل الأموال تؤثر بالسلب على استقرار أسواق المال الدولية، وتهدد بانهيار الأسواق الرسمية التي تعد حجر الزاوية في بناء اقتصاديات الدول، جاء ذلك أمام لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس الشورى في اجتماعها أمس 8 مايو 2002 برئاسة المستشار عبد الرحمن فرج محسن لمناقشة مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال .. وقال : إن قانون غسيل الأموال يحصن الاقتصاد المصرى من عدة أضرار بعدما أصبحت تلك العمليات تمثل ظاهرة عالمية تساعد المنظمات الإجرامية الدولية على اختراق وافساد الهياكل الاقتصادية والمؤسسات التجارية والمالية المشروعة والمجتمع بمختلف مستوياته مما يؤثر الى اهتزاز بنيانه المالى .. وقال : إن التشريع الجديد حريص على تجريم استقبال وارسال الأموال الناشئة عن جرائم تعاقب عليها القوانين … وأوضح ان مشروع القانون يتضمن عشرين مادة جاءت محددة للإطار العام بجريمة غسيل الأموال ووسائل مكافحتها وتطبيق تلك الوسائل على المؤسسات المالية الخاضعة لاحكام مشروع القانون بالإضافة الى وضع العقوبات المناسبة لمجابهة هذا السلوك . وأشار وزير العدل الى ان حجم الأموال التي يتم غسيلها سنويا تمثل 20% من حجم الناتج القومى الإجمالي في الولايات المتحدة أي ما يعادل 1.5 تريليون دولار مما يتطلب إجراءات فعالة لمكافحة غسيل الأموال، وأشار الى ان هناك تشريعا بهذا الخصوص (غسيل الأموال) سوف يناقشه وزراء العدل العرب والداخلية العرب داخل الجامعة العربية حيث إن هذا الموضوع أصبح ظاهرة عالمية تقف أمامه جميع دول العالم، وقد وأفقت اللجنة التشريعية على القانون حيث ستتم مناقشته أمام المجلس خلال جلساته المقبلة (93) . وحول مشروع هذا القانون المصرى صدرت عدة تعليقات وتحليلات منها ما يمدحه ويشجعه ومنها ما ينتقده لعدم قوته وصراحته في مقاومة هذه الجريمة خوفا على تأثر جذب الأموال للاستثمار في مصر فمن ذلك قول محمود عبد السلام عمر رئيس اتحاد بنوك مصر إنه على الرغم من ان التشريع المصرى لم يتضمن النص صراحة في قانون على تجريم عمليات غسيل الأموال فإن المشرع قد أدرك مبكرا الدور الخطير الذى يمكن ان يلعبه راس المال في تسهيل واستمرار تصاعد جرائم الكسب غير المشروع سواء من خلال الاتجار غير المشروع بالمخدرات أو تلك المرتبطة بالفساد الإداري ومن ثم فقد حرص المشرع على توفير أطر تشريعية لمواجهة مثل هذه العمليات سواء من خلال تضمين القوانين الموجودة عددا من المواد التي تجرم مثل هذه الأفعال او بإدخال تعديلات تالية على تلك المواد بعدما أظهـرت التجربة ان العقوبات المقررة بها لم تعد كافية للحد من تلك الأنشطة" (94) ويقول الدكتور محمود شريف : أما عن الجهود المصرية لمكافحة هذه الظاهرة والحد من مخاطرها – اذا ما استثنينا دور الاجهزة الرقابية في مكافحة الجرائم الاقتصادية بوجه عام – فلم تتجاوز مبادرة وزارة العدل بإعداد مشروع قانون لمكافحة غسل الأموال بيد أنه ما زال في طور الإعداد دون اتخاذ خطوات أكثر إيجابية سبق وأن اتخذتها بالفعل العديد من الدول، ومن بينها النامية، الامر الذى يتعين معه على الحكومة تقديم المشروع وبصفة عاجلة الى مجلس الشعب لكى يصبح لدينا قانون وطنى خاص لمكافحة تلك الظاهرة أسوة بما هو قائم بمختلف دول العالم حتى يتسنى لنا مواكبة المجتمع الدولى في هذا الشأن وإلا فان مصر ستتعرض لحرج بالغ في المحافل الدولية " (95) ويرى الدكتور نبيل حشاد أن قرار محافظ البنك المركزى - بوضع الضوابط– إجراء سليم وليس بدعة، بل مطبق في قوانين عدة دول، وليس هناك تعارض بين سرية الحسابات وهذه الإجراءات في ظل تأثير غسيل الأموال سلبا على الاقتصاد المصرى دوليا … وفيما يتعلق بالأثر البعيد على البنوك من إصدار قانون لمكافحة غسيل الأموال يرى ان سمعة الدولة ومكانتها في مجال المكافحة يؤثر سلبا او إيجابا على النظرة العالمية في الأوساط المصرفية على مصارفها، ويمكن وضع مصارفها ضمن المصارف التي تقوم بغسيل الأموال حتى وإن لم تقم بذلك .. ومع وضع واقرار قانون مكافحة غسيل الأموال في مصر تزداد صورة البنوك المصرية قوة، وسيكفل لها الحماية ويبعدها عـن التصنيف السئ " (96)
ويرجع الدكتور حسين عمران رئيس قطاع البحوث بوزارة الاقتصاد جهود مصر لمكافحة غسيل الأموال الى عام 1988 حين وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة في فيينا، واشتراكها في المؤتمر العربى الثامن في تونس 1994 لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات ومنع غسيل الأموال، والمؤتمر الدولى التاسع لمنع الجريمة بالقاهرة 1995 والقانون رقم 4 لسنة 1971 بتنظيم فرص الحراسة وتأمين سلامة الشعب وقانون الكسب غير المشروع رقم 62 لسنة 1975، وقانون سرية الحسابات والمادة 44 مكرر من قانون العقوبات المصرى، ويؤكد ان مصر لم تقف مكتوفة الأيدي في مواجهته او التعاون في مكافحة الظاهرة العالمية مشيرا الى ان وجود مناطق معينة ومحددة معروفة بغسيل الأموال هى قارة أوربا وتحديدا في سويسرا او لوكسمبورج وموناكو وجبل طارق، ومناطق البحر الكاريبى في أمريكا اللاتينية خاصة في جزر البهاما والبرامودا وجاميكا وبنما، وفى آسيا تتركز في هونج كونج وسنغافورة وتايوان وتايلاند (97) .
وتؤكد الدكتورة فوزية عبد الستار أستاذ القانون التشريعى والدستورى وعضو لجنة وزارة العدل لاعداد مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال وجود اكثر من اتجاه يتبنى تجريم غسيل الأموال في صور معينة ومحددة، ويتم بناء عليه تحديد العقوبة سجنا او غرامة او مصادرة الأموال، وترى أنه ليس من المصلحة العامة تجريم الأموال في الوقت الحاضر حتى لا تهرب وتفقد مصر استثمارات هامة، وتقترح الاكتفاء بالرقابة المصرفية على رءوس الأموال المتدفقة للبنوك بشكل سرى لا يستشعر معه صاحب المال أي رقابة .. ولا بد من التجريم للاموال الملوثة ومواجهتها سواء في المصارف او أي مكان آخر فاذا ثبت أنها غير مشروعة تجرم ولا يتم الاكتفاء بالمصادرة " (98) وكما قام البنك المركزى بوضع ضوابط مكافحة غسل الأموال فقد قامت الهيئة العامة لسوق المال بعدة إجراءات صارمة لمنع غسيل الأموال بالبورصة وفى مقال في الأهرام الاقتصادى بيان لذلك جاء فيه " أصدرت الهيئة العامة لسوق المال تعليمات لشركات السمسرة يتم من خلالها تطبيق قانون مكافحة غسل الأموال والذى ألقى على الجهات العاملة في مجال الأوراق المالية بعدة التزامات لا بد من مراعاتها بكل دقة لأنها ستمنع بكل قوة غسل الأموال في البورصة المصرية وتمنع دخول أموال مشبوهة داخل السوق المصرى، وهو مطلب هام جدا تؤيده كل الأطراف الحكومية وغيـر الحكومية. (99) .
وأخيرا صدر القانون المصرى رقم 80 في 22/5/2002 لمكافحة غسل الأموال وأنشئت لذلك إدارات خاصة تقوم بمتابعة تطبيق القانون وتنفيذه، وقد جاء في تعليق لجنة الشئون الاقتصادية والمالية والخطة في الحزب الوطنى بعد دراسته ما يلى : يعد مشروع قانون مكافحة غسل الأموال من اهم القوانين والتشريعات الاقتصادية التي اعدتها الحكومة في الفترة الأخيرة خاصة بعد إدراج مصر على قائمة البلدان غير المتعاونة في مجال مكافحة غسل الأموال على المستوى الدولى، وما أن انتهت الحكومة من إعداد مشروع القانون حتى بادر العديد من المؤسسات الحكومية وغيرها الى مناقشة مواده وفلسفته وأهميته بالنسبة لمصر، وعلى الرغم من الجدل الذى اثارته بعض مواد القانون، فان هناك ارتياحا لدى الأوساط المصرفية والاقتصادية لاصدار هذا القانون وبخاصة أنه راعى في مواده قوانين الأمم المتحدة والمنظمات العالمية كما يراعى القوانين المصرية السابقة في الأموال غير المشروعة . كما ترى اللجنة ان القانون جاء محققا للتوازن في المعادلة الاقتصادية ومن مواد هذا القانون ما يلى :
المادة الأولى : كل فعل ينطوى على اكتساب مال او حيازته او التصرف فيه أو إدارته أو حفظه أو استبداله أو إيداعه أو ضمانه أو استثماره أو نقله أو تحويله إذا كان متحصلا من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) متى كان القصد من هذا الفعل إخفاء مصدر المال أو تغيير حقيقته أو الحيلولة دون اكتشاف ذلك أو عرقلة التوصل إلى شخص من ارتكب الجريمة المتحصل عليها من المال يعد جريمة .
المادة الثانية : يحظر غسل الأموال المتحصلة من جرائم زراعة وتصنيع المخدرات والمؤثرات العقلية وجلبها وتصديرها والاتجار فيها، وجرائم اختطاف وسائل النقل وخطف واحتجاز الأشخاص والإرهاب وتهريب الأسلحة والذخائر والمفرقعات أو الاتجار فيها دون ترخيص والجرائم المنصوص عليها في البابين الثالث والرابع من قانون العقوبات – كالسرقة وخيانة الأمانة والنصب والدعارة – والجرائم الواقعة على الآثار وكذلك الجرائم المنظمة – التي ينص عليها في الاتفاقيات الدولية التي تكون مصر طرفا فيها وذلك سواء وقعت هذه الجرائم في الداخل او الخارج متى كانت معاقبا عليها في القانون المصرى "
ومن مواد هذا القانون المادة التالية " تنشأ وحدة في وزارة العدل لمكافحة غسل الأموال ويرأسها أحد رجال القضاء أو النيابة العامة من درجة رئيس محكمة استئناف او ما يعادلها وتضم في تشكيلها ممثلين عن وزارات العدل والداخلية والمالية وغيرها من الوزارات والبنك المركزى المصرى والجهات المعنية. (100) الى غير ذلك من المواد العشرين.
34وعلى الصعيد العالمى أقر صندوق النقد الدولى رسميا مشروعا جديدا لمحاربة عمليات غسيل الأموال في إطار المساعى الدولية لتجفيف منابع تمويل الإرهاب وتجريد القوى المتطرفة من مصادر قوتها وأوضح بيان الصندوق الذى صدر أمس الأول 22/11/2002 أن العمل بموجب هذا المشروع قد بدأ بالفعل الأسبوع الماضى 15/11/2002 وسوف يستمر العمل به على مدى عام كامل، وسيقوم كل من صندوق النقد والبنك الدوليين بمراقبة السياسات المالية والأنظمة داخل البنوك المركزية في الدول الأعضاء بالمؤسستين وسوف تستمر عمليات المراقبة هذه بشكل يومى ومنتظم بما يسمح بالتدخل السريع في حالة اكتشاف عمليات لغسل الأموال او مؤامرات لتمويل مخططات إرهابية ونقلت الجزيرة عن خبراء في براغ انهم أكدوا في مؤتمر لغسيل الأموال ان الدول الاوربية تناضل من أجل سد الثغرات التي تتيح لمجرمين منهم جماعات إرهابية فرصة نقل كميات طائلة من الأموال القذرة، وذلك عبر بلادهم او في أنحاء العالم، وأوضح مايكل أوليم وهو محقق بريطانى سابق يعمل لحساب شركة حسابات في بولندا مخاطبا حوالى مائة خبير مالى يحضرون مؤتمر براج في جلسته مساء الخميس أنها معركة ربما لا نكسبها أبدا "(102)
ونقلت الأهرام عن شبكة بى بى .سى أن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكونى قد مثل أمام القضاء الإيطالي أمس الأول في محاكمة لأحد المقربين منه متهم بغسل أموال لصالح المافيا الا انه رفض الإجابة عن أية أسئلة مستخدما حقه بمقتضى القانون الإيطالي.
وتعتبر الولايات المتحدة أكثر الدول خبرة في التشريع على المستوى القومى للحد من عمليات غسل الأموال نظرا لخبرتها الطويلة في مجال ممارسة هذه الجريمة إذ تقدر الإحصائيات أن ثلث عمليات غسل الأموال يحدث في الولايات المتحدة، ولذلك قامت بوضع أشمل وأكمل مجموعة من القوانين واللوائح للقضاء على هذه الجريمة وترجع أولى التشريعات الى عام 1986م، ثم توالت القوانين بعد ذلك . وعلى المستوى الدولى كانت أولى خطوات التعاون لمواجهة هذه الظاهرة اتفاقية بازل سنة 1993م وقد وقع عليها 147 دولة، كما تبنى الاتحاد الأوربي سنة 1991 توجهات تستهدف القضاء على هذه الجريمة وقد تكونت مجموعة عمل للرقابة المالية وأصبحت تضم 24 عضوا من منظمة التنمية والتعاون الأوربي بالإضافة الى هونج كونج وسنغافورة ولجنة الجماعة الاوربية ومجلس التعاون الخليجى ثم زيدت الى ثمانية وعشرين عضوا سنة 1991 (103) .
ومما سبق نعلم أننا أمام جريمة كبرى مركبة من عدة جرائم، وأن العالم كله قد تعاون، وما زال يتعاون في مكافحتها، والقضاء عليها لما لها من آثار مدمرة على الاقتصاد العالمى، والاقتصاد القومى لكل دولة، وجريمة كجريمة غسل الأموال المركبة التي جرمتها جميع القوانين غير الاسلامية، جديرة أن تكون غير موجودة في العالم الإسلامي، ولا يقوم بها مسلمون، لأنها كما ظهر من كبائر الإثم والفواحش لما تشمله من جرائم كثيرة ثم بيانها في المباحث السابقة، نسأل الله العفو والعافية والمعاناة في الدنيا والآخرة .
والله ولى التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
! ! !
الهوامـش
2التوبة من المال الحرام، ورقة عمل مقدمة الى الحلقة النقاشية الثانية عشرة بمركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر د. محمد عبد الحليم عمر ص1.
5- المائدة 6
4- ص42
3- النساء [43]
2- المائدة [6]
7- البقرة [222]
6- المدثر [4]
9- البقرة 1
8- المعجم الوسيط جـ2 مادة غسيل ص652
13- المعارج 24/25
12- الفتح [11]
11- النساء
10- البقرة [155]
14- المعجم الوسيط جـ2 ص892 مادة مال
15- انظر : المغنى لابن قدامة جـ1 ص218 والكافى لابن قدامة جـ1 ص60
16- تفسير القرطبى جـ5 ص209/210 باختصار
17- السابق جـ8 ص245/146
18- التوبة من المال الحرام مرجع سابق
21- آل عمران [14]
20- الفجر [20]
19- الكهف [46]
24- الإسراء [26-29]
23- المائدة [38]
22- النساء [5]
26- الإنسان والمال في الإسلام – د. عبد النعيم حسنين ص106
25- الملك [15]
29- عبس [25-32]
28- النبأ [14-16]
27- الجمعة [9/10]
32- الرعد [3-4]
31- الأنعام [141]
30- الأنعام [99]
34-
33- الواقعة [63-65]
36- الأعراف [10]
35- البقرة [164]
37- تفسير القرطبى جـ7 ص167 .
40- التوبة [24]
39- البقرة [282]
38- النساء [29]
43- التوبة [111]
42- فاطر [29]
41- الصف [11]
44- تفسير القرطبى جـ5 ص151/152 باختصار
46- هود [37-38]
45- التفسير الكبير – الرازى جـ7 ص21.
49- سبأ [10-11]
48- الأنبياء [80]
47- الشعراء [128-129]
51- التفسير الكبير – الرازى جـ9 ص174
50- سبأ [12-13]
53- السابق ص149-150
52- الملكية الفردية د. محمد بلتاجى ص76 .
55- البقرة [188]
54- التفسير الكبير – الرازى جـ9 ص173-174
56- تفسير القرطبى جـ2 ص338-340 باختصار
57- المقدمات الممهدات جـ2 ص222
59- الملكية الفردية ص190
58- الإمام الشافعى جـ3 ص312
60- حبس اللبن في ضرع البهيمة لايهام المشترى أنها كثيرة اللبن.
61- المزايدة في سعر المبيع دون رغبة في الشراء
62- المزاينة : بيع التمر بالتمر – الرطب – أو بيع الزبيب بالعنب وكذلك كل بيع مجهول طرفاه او أحدهما جزافا.
63- العرايا : بيع الرطب على النخل جزافا بالتمر.
64- المنابذة : أن يقول أحد المتبايعين : إذا نبذت إلى هذا الثوب فقد وجب البيع أو أن يقول : إرم ما معك في مقابل ما معى
65- الملامسة : أن يمس الثوب المبيع بيده دون أن ينشره.
66- بيع الحصاه : هو أن يقول : إرم هذه الحصاة على أى ثوب فما وقعت عليه فهو لك بكذا، أو بعتك من هذه الأرض بقدر ما تبلغ الحصاة إنا رميتها.
68- حبل الحبلة بيع حمل حمل الناقة
67- بيع الدين بالدين
69- عسب الفحل : ماؤه الذى تحمل منه أنثاه .
70- المعاومة بيع ثمار الشجر عاما أو أكثر قبل أن يظهر وينضج
71- بيع العربون : أن يدفع جزءا من ثمن المبيع على أنه اذا رده كان المدفوع للبائع.
72- شرح صحيح مسلم للنووى جـ4 ص5،6 وانظر أيضا في جميع البيوع المذكورة الكافى في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل جـ2 ص4-42 .
74- الطرق الحكمية ص399
73- تفسير القرطبى جـ2 ص358 .
75- تبصرة الحكام جـ2 ص213.
76- الملكية الفردية ص323-324.
78- المائدة [345]
77- تفسير القرطبى جـ3 ص365-367 باختصار
79- تفسير القرطبى جـ6 ص158.
81- السابق ص6.
80- التوبة من المال الحرام مرجع سابق ص4 .
83- المائدة [34]
82- السابق ص11 .
84- الأهرام عدد 41912 في 6/9/2001 تحت عنوان مواقف
85- الأهرام عدد 41960 في 24/10/2001 .
86- الأهرام عدد 41904 في 29/8/2001 .
88- السابق
87- الأهرام الاقتصادى عدد 1705 في 10/9/2001 .
89- التوبة من المال الحرام ص8 .
90- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
91- السابق عدد 41960 في 24/10/2001 .
92- الأهرام الاقتصادى عدد 1730 في 4/3/2002 .
93- الأهرام عدد 42157 في 9/5/2002 .
94- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
95- الأهرام عدد 41904 في 29/8/2001.
97- السابق.
96- الأهرام الاقتصادى عدد 1705 في 10/9/2001
98- السابق
99- السابق عدد1751 في 29/7/2002 .
100- الأهرام عدد 42013 في 16/12/2001 .
101- الأهرام عدد 42356 في 24/11/2002 .
102- الجزيرة عدد 10999 في 9/1/2002.
103- الأهرام عدد 41551 في 10/9/2002 .
قائمة المراجع *
2الأم – الشافعى، مطبعة الشعب بالقاهرة.
3الأهرام جريدة مصرية يومية – القاهرة – عدة أعداد.
4الأهرام الاقتصادى – جريدة مصرية أسبوعية – القاهرة – عدة أعداد.
5الإنسان والمال في الإسلام د. عبد النعيم حسنين . دار الوفاء – المنصورة- مصر.
6تبصرة الحكام في أصول الاقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون – المطبعة البهيئة بالقاهرة.
7التفسير الكبير – الرازى – دار الغد العربى – مصر.
8التوبة من المال الحرام د. محمد عبد الحليم عمر . مركز صالح كامل - جامعة الأزهر – مصر.
9جامع البيان عن تأويل آى القرآن للطبرى – مكتبة الحلبى بمصر.
10الجامع لأحكام القرآن – القرطبى – دار الكتب المصرية – مصر.
11الجزيرة جريدة يومية سعودية.
12شرح صحيح مسلم للنووى – مطبعة الشعب – مصر.
13الطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم – مطبعة المدنى بالقاهرة.
14الكافى في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل لابن قدامة – المكتب الإسلامي – بيروت.
15المعجم الوسيط – مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
16المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – محمد فؤاد عبد الباقى – مطبعة الشعب- مصر.
17المغنى لابن قدامة.
18المقدمات الممهدات لابن رشد – مطبعة السعادة – مصر.
19الملكية الفردية د. محمد بلتاجى – مكتبة الشباب – مصر.
منقول ..........