المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التأمينات الاجتماعية‏:‏ المشكلات والحلول


أحمد فاروق سيد حسنين
09-02-2009, 05:43 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

التأمينات الاجتماعية‏ :‏ المشكلات والحلول

بقلم : عبد الفتاح الجبالي
نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية

-‏ الحصيلة النهائية للاشتراكات لاتتناسب مع نسب الاشتراكات

-61.1‏ مليار جنيه ديون مستحقة علي الخزانة العامة لصندوق التأمينات

-‏ النظام الحالي يحابي أصحاب الدخول المرتفعة

-‏ النظام الجديد باهظ التكلفة ويحتاج إلي المزيد من الشروط للحد من التكلفة الإدارية لإدارة الحسابات الفردية

-‏ إعادة النظر في القوانين الحالية ودمجها في قانون واحد

-‏ معاش أساسي لكل من بلغ سن الـ‏65‏ ممن لايتقاوضون معاشا آخر من الدولة

-‏ نظام جديد للمشتركين الجدد بمعدل اشتراك في حدود‏32%‏ من الأجر الشامل مقارنة بـ‏30%‏ في النظـام القائم وبحد اقصي‏200‏ جنيه شهريا

-‏ استثمار نحو ‏15 %‏ من الدخل في أوراق مالية حكومية ويتم قيدها في حسابات شخصية باسم المشترك

-‏ النظام الجديد سيبقي علي نفس معدلات الاشتراكات والمزايا المقررة دون تغيير

يشهد المجتمع المصري حاليا حوارا ونقاشا حادا حول مستقبل نظام التأمينات الاجتماعية في مصر‏,‏ وذلك في ضوء الإشارات الغامضة القادمة من وزارة المالية والخاصة بإعداد مشروع قانون جديد لتنظيم هذا النظام وضمان تلافي العيوب القائمة في النظام الحالي وهو منحي سليم من الناحية الفكرية‏,‏ ولكنه يحتاج إلي المزيد من النقاش مع الأفكار المطروحة علي الساحة حاليا‏,‏ وبالتالي أصبح من الضروري‏,‏ بل والواجب‏,‏ طرح مشروع القانون المقترح للنقاش المجتمعي علي أوسع نطاق ممكن‏,‏ حتي يأتي منسجما مع احتياجات المجتمع كله‏.‏

ولاشك أن التقييم الموضوعي للنظام الحالي يتطلب وضعه في إطاره العام وسياقه الصحيح‏.‏ خاصة أن نظم التأمينات الاجتماعية المعمول بها في مصر تعتبر من أقدم النظم التأمينية في العالم‏,‏ حيث تعود إلي‏26‏ ديسمبر عام‏1854.‏ ومنذ ذلك التاريخ مر النظام بمراحل مختلفة ومتعددة‏,‏ وأخذ أشكالا متباينة تحكمها فلسفات مختلفة‏,‏ ولكنه كان طول الوقت محكوما بالإطار العام الحاكم لسياسة التنمية الاقتصادية والأوضاع العامة السائدة في المجتمع‏.‏

ويرتكز نظام التأمين الاجتماعي المصري علي حسابات اكتوارية فنية محددة وعلي المزايا التأمينية‏,‏ ويقوم علي قاعدة سداد الالتزامات التأمينية طوال فترة الارتباط بالعمل مع نظام للمزايا التأمينية المحددة‏.‏ ويتم تطبيق النظام من خلال منظومة متكاملة من القوانين‏,‏ بعضها إجباري مثل القانون رقم‏79‏ لسنة‏1975‏ وهو قانون التأمين الاجتماعي للعاملين بالدولة والهيئات العامة وقطاع الأعمال العام والخاص‏,‏ والآخر اختياري مثل القانون رقم‏50‏ لسنة‏1978‏ والخاص بالتأمين علي المصريين العاملين بالخارج‏.‏

ويتم تطبيق هذه المنظومة القانونية من خلال الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي‏,‏ المنشأة وفقا للقانون رقم‏207‏ لسنة‏1994,‏ والذي بمقتضاه حلت الهيئة القومية للتأمين محل الهيئة القومية للتأمين والمعاشات والهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية في ممارسة الاختصاصات المنصوص عليها في قانون التأمين الاجتماعي‏,‏ عن طريق كل من صندوق التأمين الاجتماعي للعاملين بالقطاع الحكومي‏,‏ وصندوق التأمين الاجتماعي للعاملين بقطاع الأعمال العام والخاص‏.‏

وكان الدستور المصري حريصا بشدة علي هذا النظام وأمواله‏,‏ فنص في مادته السابعة عشرة علي‏'‏ أن تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعا‏',‏ كما نص قانون التأمينات الاجتماعية في مادته الثامنة علي‏'‏ أن الخزانة العامة ملتزمة بأداء أي عجز في أموال الصناديق‏'.‏ هذه النصوص وغيرها تهدف بالأساس إلي الحفاظ علي أموال التأمينات الاجتماعية وتنميتها بما يضمن حقوق المؤمن عليهم‏,‏ وتحول دون التلاعب فيها بأي حال من الأحوال‏.‏

والسؤال الذي يتبادر إلي الذهن‏:‏ هل النظام القائم بوضعه الحالي قادر علي الاستمرار مستقبلا دون مشكلات جوهرية أم لا؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي‏,‏ فما هي أفضل السبل لعلاج المشكلات التي يعاني منها النظام بوضعه الحالي؟

وقبل الإجابة علي هذه التساؤلات وغيرها‏,‏ تجدر الإشارة إلي أن أي دراسة علمية وعملية لنظم المعاشات يجب أن تقوم علي ثلاثة محاور أساسية هي‏:‏ طريقة تحديد قيمة المعاش‏(‏ المزايا التأمينية‏),‏ وأسلوب التمويل‏(‏ أسلوب الموازنة السنوية أو التمويل الكامل أو النظام المختلط‏),‏ وأخيرا كيفية إدارة احتياطيات أموال النظم التأمينية‏.‏

ولاشك أن أي محاولة علمية لتقييم وإصلاح النظام التأميني الحالي يجب أن تأخذ بالحسبان هذه المحاور الثلاثة للوقوف علي أفضل توليفة ممكنة من السياسات التي تجعل النظام أكثر كفاءة وعدالة وقدرة علي الاستمرارية دون توليد أية ضغوط علي المجتمع كله أو علي الاقتصاد المصري علي وجه الخصوص‏.‏

أولا‏:‏ المشكلات القائمة ومبررات الإصلاح
يعد النظام التأميني المصري القائم أحد الأنظمة الأكثر تقدما في العالم‏,‏ حيث يغطي مجموعة عريضة من الالتزامات مازالت مهملة في العديد من البلدان الأخري‏.‏ فضلا عن كونه يكفل معاشا لمجموعة كبيرة من المستفيدين‏(‏ كالأبناء والأخوة والوالدين‏...‏ الخ‏)‏ وهي مجموعات لا تضمها نظم التأمينات المطبقة في العديد من البلدان الأخري‏.‏ ويتميز النظام بعدة سمات أساسية أبرزها أنه نظام محدد المزايا مسبقا حيث يتم تحديد قيمة الاشتراكات فيها بمعرفة الخبير الاكتواري في ضوء ما يقرره هذا النظام من حقوق‏.‏ كما أنه يقوم بالأساس علي فلسفة أقرب ما تكون إلي التكافل الاجتماعي بين فئات المؤمن عليهم‏,‏ بمعني نقل مسئولية مواجهة الأخطار الاجتماعية من عاتق الفرد إلي عاتق الجماعة‏,‏ أي أن الفرد يشارك في التمويل بقدر إمكانياته ويأخذ من المزايا بالقدر المناسب الذي يضمن له المستوي المعيشي الملائم بغض النظر عما تحمله من أعباء في التمويل‏.‏

ورغم ما سبق الا إن كل الدراسات تشير الي إن نظام التأمينات الاجتماعية المصري قد بدأ يواجه العديد من المشكلات الجوهرية التي أصبحت تتطلب سرعة العلاج الحاسم‏,‏ بدلا من العلاج المؤقت بالمسكنات اللحظية‏,‏ فالأوضاع الحالية تنذر بعواقب شديدة في المنظور القريب‏,‏ خاصة مع ارتفاع احتمالات عدم الاستقرار في التمويل خلال السنوات القليلة القادمة‏,‏ والناجمة عن أمور كثيرة ومتنوعة يأتي علي رأسها‏:‏

-‏ التغييرات الديموجرافية المصاحبة للنمو الاقتصادي والتي يترتب عليها حياة أطول للمتقاعدين‏,‏ هذا فضلا عن زيادة توقعات الحياة للمواطن المصري‏.‏

-‏ بالإضافة إلي المشكلات الخاصة بسوق العمل في مصر‏,‏ إذ مازالت مشاركة السكان في قوة العمل منخفضة للغاية‏,‏ هذا ناهيك عن تضخم قطاع الأعمال غير الرسمي كمستوعب للعمالة‏,‏ وارتفاع نسبة علاقات العمل غير الأجرية بالمجتمع‏.‏

-‏ ويتميز النظام التأميني المصري بسمة مهمة وهي تفاوت أقساط وأنصبة التأمينات المحصلة والاشتراكات بين التشريعات المختلفة التي تتكون منها المنظومة التأمينية في مصر‏.‏ وتعد هذه النسب مرتفعة للغاية مقارنة بمعظم بلدان المنطقة‏,‏ إذ تصل الاشتراكات إلي نحو‏12%‏ من الأجر في كل من المغرب والبحرين‏,12.5%‏ في تونس‏,14.5%‏ في الأردن‏,‏ وتصل إلي‏18%‏ في إيران‏.‏

ومن المفارقات أنه علي الرغم من أن نسب الاشتراكات هذه تعد مرتفعة للغاية إلا أن الحصيلة النهائية للاشتراكات لا تتناسب مع هذه المعدلات المرتفعة وذلك لعدة أسباب‏,‏ أولها‏:‏ ارتفاع نسبة الاشتراك عند الحد الأدني خاصة بالنسبة لأصحاب الأعمال‏.‏

السبب الثاني‏:‏ وراء نقص الاشتراكات فيتمثل في ضعف الحد الأدني للاشتراك في حد ذاته‏,‏ إذ إنه يتم وفقا لجدول الأجور المنصوص عليه في القانون رقم‏47‏ لسنة‏1978‏ والخاص بالعاملين بالجهاز الإداري للدولة‏,‏ ويزداد سنويا بقيمة العلاوة الخاصة‏.‏ وهو عبارة عن الحد الأدني للأجور الوارد بجدول التوظف للعاملين بالجهاز الإداري للدولة‏(35‏ جنيها شهريا‏)‏ مضافا إليه العلاوات الخاصة المضمومة إلي الأجر الأساسي اعتبارا من أول يوليه‏1992‏ وحتي أول يوليه‏2008.‏ وهذا الجدول لا يعكس الأجر الفعلي للعاملين لأنه يقتصر فقط علي الأجر الأساسي ولا يتضمن المبالغ الأخري التي يحصل عليها العامل من أجور متغيرة وبدلات وحوافز والتي تمثل النسبة الغالبة من هذه الأجور‏.‏

السبب الثالث‏:‏ ارتفاع قيمة الأرصدة المستحقة للصناديق علي المشتركين‏,‏ هذا فضلا عن المديونية المستحقة علي الخزانة العامة لصندوقي التأمينات والتي وصلت إلي‏61.1‏ مليار جنيه في نهاية يونيه‏2008.‏

وقد ترتب علي هذا الوضع عدة مشكلات أساسية‏,‏ أهمها ما يلي‏:‏

‏1-‏ انتشار ظاهرة التهرب التأميني نتيجة لارتفاع الاشتراكات والمغالي فيها‏.‏ ويأخذ التهرب التأميني عدة أشكال‏,‏ منها الاشتراك عن عدد عمال أقل من الفعلي‏,‏ أو الاشتراك عن بعض المدد التأمينية دون باقي المدد‏,‏ أو الاشتراك بأجر أقل من الأجر الفعلي‏.‏ ناهيك عن تأثير ذلك علي سوق العمل في مصر من حيث زيادة العمالة في القطاعات غير الرسمية نظرا لتأثيره علي تكلفة التشغيل‏.‏

‏2-‏ استقلال كل فئة من الفئات المؤمن عليها بقانون خاص بها‏,‏ وهو ما أدي إلي التمييز في المراكز القانونية بين تلك الفئات وبعضها البعض‏.‏ وهو ما يحد من قدرة العاملين علي الانتقال من وظيفة لأخري‏,‏ خاصة وان شروط التقاعد تختلف من نظام لآخر ولا توجد آليات توضح كيفية تنقل الحقوق في هذه المسالة‏.‏

‏3-‏ انخفاض قيمة المعاشات المنصرفة للشريحة العظمي من المشتركين وضآلة ما يحصل عليه هؤلاء‏,‏ إذ وصلت نسبة من يحصلون علي معاش أقل من مائة جنيه شهريا إلي نحو‏52%‏ للخاضعين للقانون رقم‏79‏ لسنة‏1975,‏ وارتفعت إلي‏75.4%‏ بالنسبة للخاضعين للقانون رقم‏108‏ لسنة‏1976,‏ بينما اقتصرت علي‏20%‏ للخاضعين للقانون رقم‏50‏ لسنة‏1978,‏ وتزداد هذه النسب بشدة عند معاش أقل من مائتي جنيه‏,‏ حيث تصل إلي‏55.1%,99.1%,60%‏ بالنسبة للقوانين المذكورة آنفا علي التوالي‏.‏

‏4-‏ محاباة النظام الحالي لأصحاب الدخول المرتفعة علي حساب أصحاب الدخول المنخفضة مما يزيد من الخلل في توزيع الدخول بالمجتمع‏,‏ وذلك لأن هناك سقفا للأجر الذي يحتسب علي أساسه القسط بما يجعل الأقساط شبه متساوية‏,‏ بينما يقوم في حساب المعاش علي عدد سنوات الخدمة ومرتب المستفيد في السنوات الأخيرة‏.‏

‏5-‏ عدم وجود توازن بين الأنظمة الممولة وغير الممولة من حيث نسب الاشتراكات والمزايا الممنوحة مما يؤدي إلي تسرب بعض المؤمن عليهم من بعض النظم إلي نظم أخري‏,‏ وهو ما أحدث خللا في النظام كله‏.‏ فمن المعروف أن معاش التأمين الاجتماعي الشامل يصل إلي‏80‏ جنيها شهريا مقابل اشتراك شهري يتحمله المؤمن عليه مقداره جنيه واحد فقط‏,‏ بينما الحد الأدني للمعاش المستحق وفقا للقانون رقم‏79‏ لسنة‏1975(‏ الخاص بالعاملين لدي الغير‏)‏ يصل إلي‏40‏ جنيها مقابل اشتراك شهري قدره‏21‏ جنيها‏.‏ وبالمثل فإن الحد الأدني للمعاش المستحق وفقا للقانون رقم‏108‏ لسنة‏1976(‏ العاملين لحساب أنفسهم‏)‏ ومقداره‏35‏ جنيها شهريا مقابل اشتراك شهري يصل إلي‏15‏ جنيها‏,‏ كل هذا أدي إلي تسرب أعداد كبيرة من المؤمن عليهم وفقا لهذه القوانين إلي قانون التأمين الاجتماعي الشامل‏.‏

وقد انعكست كل هذه الأمور علي النظام التأميني‏,‏ فبدأ يعاني من وجود التزامات ومدفوعات كبيرة مقابل اشتراكات أقل‏,‏ الأمر الذي يعني تباطؤ معدل نمو موارد النظام التأميني‏.‏ وكان من الطبيعي أن تنعكس هذه الأمور علي الأوضاع المالية للصندوقين‏.‏ وهكذا‏,‏ أخذت الفجوة بين إيرادات المنظومة التأمينية والمستحقات والمدفوعات الواجبة عليها في الاتساع عاما بعد آخر‏,‏ مما يعرض النظام برمته إلي ضغوط غير متوازنة‏,‏ الأمر الذي يفرض بدوره مراجعة نظم استثمار أموال صناديق المعاشات بما يحقق التوازن بين المخاطر المحسوبة والعائد المضمون والمرتفع‏.‏

وجدير بالذكر ان نظام التأمينات الاجتماعية المصري يقوم أساسا علي فكرة التوازن بين الاشتراكات وما يتولد عنها من عوائد نتيجة للاستثمار‏,‏ وبين ما يستحق من معاشات في حالة بلوغ سن المعاش أو في حالات العجز أو الوفاة‏,‏ وذلك وفقا لحسابات اكتوارية‏,‏ وهو ما يعرف بنظام التمويل الكامل‏.‏ ويتطلب هذا النظام تكوين احتياطيات مالية يتم استثمارها بطريقة سليمة‏,‏ وبما يحقق عوائد مناسبة تضمن الاستمرار في صرف المعاشات‏.‏ وبمعني آخر‏,‏ فإن الفكرة الأساسية لنظام التمويل الكامل هي أن يعتمد علي ذاته بالكامل في تغطية كل الالتزامات المستحقة علي النظام‏.‏

والمشكلة الأساسية تكمن في عدم قدرة النظام بوضعه الحالي‏,‏ علي تمويل المزايا الممنوحة علي المديين المتوسط والطويل‏,‏ بالإضافة إلي تنامي العجز السنوي لصناديق التأمينات‏,‏ وتزايد الالتزامات علي الصندوقين‏.‏ وعلي الجانب الآخر‏,‏ أصبح نظام التأمين الاجتماعي الشامل اقرب للمساعدات الاجتماعية منه لنظام التأمين الاجتماعي وفقا للأسس والأساليب العلمية المتعارف عليها‏,‏ وكلها أمور أدت إلي زيادة الأعباء علي الخزانة العامة‏,‏ ومن ثم زيادة الدين العام وتحميل الأجيال المستقبلية لمزايا الأجيال الحالية‏,‏ ناهيك عن تشوه التشريعات التأمينية نتيجة كثرة التعديلات التي أدخلت عليها‏,‏ فالنظام التأميني بوضعه الحالي أصبح غير قادر علي الاستمرار بنفس الآليات الحالية‏,‏ ويتطلب البحث عن آليات جديدة تضمن له الاستمرار والاستقرار والأمان‏,‏ ويحقق المزايا التأمينية القائمة نفسها‏.‏

خطوات إصلاح النظام التأميني المصري‏:‏
من هذا المنطلق‏,‏ يمكن القول بأن العمل علي تحسين موارد النظام التأميني وضمان حصول الأفراد علي حقوقهم التأمينية يصبح واجبا وطنيا ينبغي أن تنشغل به كل التيارات والاتجاهات الفكرية بعيدا عن صراعاتها الأيدلوجية‏.‏ وهنا يجب أن يتم الإصلاح المطلوب لنظام التأمينات الاجتماعية في سياق إصلاح هيكلي للسياسة المالية بما يضمن إعادة التوازن المالي للاقتصاد القومي‏,‏ ويسمح بفك التشابكات المالية في المجتمع‏,‏ والسير به قدما علي طريق الإصلاح المنشود‏,‏ وهي مسألة يجب أن تتم في إطار رؤية تنموية متكاملة ومن منظور شامل وواسع يأخذ بعين الاعتبار علاج الاختلالات الهيكلية في الاقتصاد القومي‏,‏ ويدفع عجلة التنمية إلي الأمام‏,‏ وبالتالي توجه سياسات الإصلاح المالي إلي تحقيق هدف النمو الاقتصادي في الأجل الطويل عن طريق رفع كفاءة الاستخدام للموارد المتاحة وتنميتها‏.‏

في إطار ما سبق يمكننا مناقشة الأفكار الجديدة للنظام المقترح والذي يقوم علي المحاور الآتية‏:‏

*‏ احترام العلاقة التعاقدية بين كل من المشتركين في النظام الحالي من عاملين وأصحاب معاشات وورثة من جهة والصناديق من جهة أخري‏,‏ وذلك من حيث الإبقاء علي نفس معدلات الاشتراكات والمزايا المقررة دون تغيير‏,‏ ولكن دون السماح بدخول مشتركين جدد في هذا النظام‏.‏ وفي الوقت نفسه تم تحويل مديونية بنك الاستثمار القومي تجاه الصناديق والتي أعيد إقراضها لأجهزة الموازنة العامة إلي وزارة المالية مباشرة‏(‏ نحو‏197‏ مليار جنيه في نهاية يونيو‏2006)‏ وقامت وزارة المالية بإصدار صك بكامل قيمة المبلغ‏,‏ والالتزام بسداد الفوائد المستحقة عليه لتوفير السيولة اللازمة للصناديق لصرف المعاشات‏,‏ حيث تقوم الحكومة باقتراض أية فوائض قد تتولد لدي الصناديق في صورة سندات جديدة علي الخزانة العامة‏.‏

*‏ إتاحة نظام معاش‏'‏ أساسي‏'‏ لكل من بلغ سن الـ‏65‏ من ذكور وإناث ممن لا يتقاضون معاشا آخر من الدولة‏,‏ وهو ما يمكن تعريفه بتوفير معاش لمن لا معاش له‏,‏ ومقترح له مبلغ‏100‏ جنيه شهريا‏,‏ كبداية ويتم تمويله من موارد الخزانة العامة للدولة‏.‏ ويعتبر هذا النظام بديلا عن المنظومة التي يغطيها القانون‏112‏ لسنة‏1980.‏

*‏ إنشاء نظام جديد للمشتركين الجدد علي أساس فلسفة‏'‏ الاشتراك المحدد‏'‏ وبمعدل اشتراك في حدود‏23%‏ من الأجر الشامل مقارنة بـ‏30%‏ في النظام القائم‏,‏ وبحد أقصي‏2000‏ جنيه شهريا‏,‏ منها‏20%‏ للمعاش والباقي للتغطية التأمينية ضد مخاطر العجز والوفاة ومن المقترح أن يتحمل رب العمل‏18%‏ والموظف الـ‏5%‏ الباقية‏.‏

وسوف ينقسم النظام الجديد إلي شقين رئيسيين هما الحساب الدفتري الذي يتلقي‏15%‏ من الأجر التأميني‏,‏ والحساب النقدي الذي يتلقي‏5%‏ من الأجر التأميني‏.‏

وفي ضوء ذلك يتم استثمار نحو نسبة‏15%‏ من الدخل في أوراق مالية حكومية ويتم قيدها في حسابات شخصية باسم المشترك‏,‏ وبحيث يتم تعليتها بالفوائد المستحقة لها كل فترة‏.‏ أما الحساب النقدي فيتم تغذيته من الـ‏5%‏ الباقية ويتم توجيهها للاستثمار في أصول مالية‏.‏

ويستهدف الإطار المقترح أن تتراوح نسبة استبدال الدخل ما بين‏55%‏ إلي‏60%‏ في حين يمكن زيادتها بالاشتراك في النظم التكميلية الاختيارية لمن يرغب في ذلك‏.‏

والواقع ان النظام المقترح تستند فيه المزايا علي مبلغ الاشتراك وبذلك تم تحويل المخاطر من الدولة إلي الفرد‏,‏ وهنا ينبغي دراسة التجارب السابقة في هذا المجال والتي تشير إلي ان هذا النظام باهظ التكاليف ويحتاج إلي المزيد من الشروط مثل الحد من التكلفة الإدارية لإدارة الحسابات الفردية وهي أحدي نقاط الضعف الأساسية في هذا النظام‏,‏ كما انه يحتاج الي منتجات مالية تخفف من بعض المخاطر الرئيسية في الأسواق المالية هذا ناهيك عما يطرحه من تساؤلات تتعلق بمدي قدرة الدولة علي فرض رسوم اشتراك أعلي إذا ما تطلب الأمر ذلك واثر العائد المضمون علي الادخار الخاص للإفراد‏.‏

مما سبق فإننا نري إن الإصلاح يجب أن يتم عن طريق العمل علي اعتماد هذا النظام علي ذاته وذلك عن طريق إعادة النظر في القوانين الحالية‏,‏ ودمجها جميعا في قانون موحد للتأمينات يأخذ بعين الاعتبار علاج كافة المثالب والمشكلات السابق الإشارة إليها في النظام الحالي والتي ظهرت من خلال التطبيق العملي والفعلي للنظام علي مدار السنوات الماضية‏,‏ وبما يسمح بامتداد الحماية التأمينية إلي جميع المؤمن عليهم‏,‏ والمستحقين من جميع الفئات من حيث قواعد وأسس حساب المعاش وتحديد المستحقين والمزايا الاجتماعية الأخري‏,‏ وهو ما يتطلب بناء صحيحا ومتوازنا بين الدخول والاشتراكات التأمينية والحفاظ علي المزايا التأمينية الحالية دون انتقاص‏.‏ وهي أمور سوف تسهم في تبسيط النظام والحد من البيروقراطية الحالية وتوفير الجهد والوقت‏.‏ وهو ما يحتاج إلي رؤية شاملة ومختلفة تأخذ بعين الاعتبار كل التطورات والأوضاع السائدة في المجتمع المصري بغية وضع نظام جديد أكثر قدرة وكفاءة في تحقيق الأهداف المرجوة منه‏,‏ وهو ما لن يتأتي إلا عبر طرح مشروع القانون المقترح علي أوسع نطاق للمناقشة والدراسة المتأنية‏,‏ في ضوء الخبرات الدولية والواقع المصري المعاش‏.‏

المصدر : الأهرام الأقتصادى

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته