
مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع
الضريبة الباهظة
بـريــد الأهــرام
42914
السنة 127-العدد
2004
يونيو
4
16 من ربيع الاخر 1425 هـ
الجمعة
أنا شاب مصري عمري40 عاما سافرت منذ15 عاما إلي فرنسا.. وبعد فترة قصيرة من اغترابي تعرفت علي فتاه فرنسية وتزوجنا وأنجبنا ولدا وبنتا هما كل حياتي الآن.
وفي بداية الزواج كنا نعيش في استديو صغير أي في شقة من غرفة واحدة ضيقة وحمام ومطبخ, فعملت بجد واجتهاد لمدة12 ساعة يوميا وعلي مدي7 أيام كل أسبوع بلا راحة حتي وفقني الله في الانتقال بأسرتي إلي شقة أكبر.. وواصلت العمل بعد ذلك بنفس الجد حتي تمكنت بفضل الله من الانتقال إلي فيلا بحديقة كبيرة أقيم فيها الآن. وبالطبع فقد كانت هنا في بداية الزواج مشاكل شهدتها حياتي مع زوجتي مثل اهتمامها الزائد بالريجيم والاجازات واهمالها لكل شئون البيت, وبعد محاولات فاشلة لدفعها للاهتمام بالبيت, حاولت أن أحثها علي ذلك بأسلوب آخر, فكنت أرجع من عملي الشاق جدا مهدودا فلا أركن للراحة, وإنما أبدأ في أداء الواجبات المنزلية التي لم تؤدها زوجتي, مؤملا أنها حين تراني أفعل ذلك مع ارهاقي الكامل سوف تتحرك وتؤدي بقية الواجبات وتعفيني من العناء, فكانت النتيجة أن استمر هذا الوضع14 عاما حتي الآن.. أرجع من عملي الشاق إلي البيت فأقوم بالواجبات المنزلية, وإن لم أفعل ذلك, فلا طعام لنا ولا نظافة للبيت ولا اهتمام بالأبناء, وزوجتي لا تعرف شيئا سوي اعداد وجبات الرجيم لنفسها والقراءة في المجلات والاعداد للاجازة القادمة, ولقد ح
اولت معها بكل الطرق أن تهتم بالبيت وشئون الأسرة والواجبات المنزلية دون جدوي, وكانت عقب كل مناقشة من هذا النوع تغضب وتمنعني من نفسها, ولولا أنني رجل متدين وأؤدي الفروض الدينية وأقوم بالحج سنويا لربما كنت قد انحرفت, والآن وبعد14 عاما من الزواج استطيع أن أقول لك أنني لم أعش مع زوجتي هذه يوما واحدا هانئا ــ وإن كل حياتي معها كانت ومازالت عملا في عمل, في المهنة الشاقة التي أمارسها.. وفي البيت بعد العودة لاعداد الطعام لنا والاهتمام بالأولاد, وكل الفنون المنزلية التي تعرفها زوجتي هي طلب الطعام من أي مطعم بالتليفون! ولا شئ آخر.
لقد نصحني أصدقائي القريبون مني ويعرفون ما أعانيه بأن أتزوج, والحق أنني أشعر أني في حاجة بالفعل إلي الزواج لأني أعتبر نفسي لم أتزوج بعد, مع أن زوجتي سعيدة للغاية بحياتها معي, وحين أهددها بأنني سوف أتزوج لا تهتم بتهديدي لأنها تعرف مدي تعلقي بأولادي, وأنا أريد أن أتزوج فعلا يا سيدي, فهل أتزوج مصرية وأصطحبها معي إلي فرنسا, أم هل أبقيها في مصر وأرجع إليها كل شهر أو شهرين مثلا, مع مراعاة أنني لا أستطيع أن أستغني عن أولادي لحظة واحدة ولا آمن زوجتي عليهم أبدا, فبماذا تنصحني وهل تساعدني في الزواج من مصرية علما بأني ملتزم دينيا وظروفي المادية جيدة؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
سمحت لي الظروف بالاقتراب من تجارب أصدقاء مصريين تزوجوا من فرنسيات كما فعلت أنت.. ومن واقع خبرتي الشخصية أستطيع أن أقول إن زوجتك الفرنسية قد تغفر لك أي شئ تفعله إلا أن تتزوج عليها امرأة أخري, وأنها, بمجرد أن تعرف بأمر هذا الزواج أو تكتشفه سوف تقاتل بضراوة ليس لاجبارك علي طلاقها كما قد تظن, وإنما لكي تحصل علي الطلاق منك حتي ولو لم يكن لها مورد تستطيع الاعتماد عليه بعد الانفصال, كما أنها سوف تتمسك بضم ابنائها إليها حتي ولو كانت قد أهملت شئونهم خلال حياتها الزوجية معك وسيساعدها القانون في بلادها علي ذلك.
فإذا كنت لا تأمنها علي ابنائك إذا انفصلت عنها وهو ما سيحدث حتما إذا اكتشفت أمر زواجك, فإنك بذلك تعرضهم للقلاقل والاضطراب نتيجة لتعذر إشرافك الكامل عليهم بعد الانفصال, ولعدم كفاءة أمهم وعجزها عن رعايتهم علي النحو المطلوب, وبذلك لايصبح هناك مجال لتحقيق رغبة الزواج إلا إذا نجحت في تكتمه عن زوجتك.. والسؤال هو, إلي متي سوف تستطيع التخفي بأمر زواجك الثاني عن زوجتك فلا تعلم به ولا تستشعر التغير الذي سيطرأ علي حياتك بعده؟ وماذا سيكون من أمرها معك حين تكتشف سره؟
لقد لجأ بعض زملائك الذين واجهوا نفس الظروف, إلي الزواج في مصر وتأسيس بيت للزوجية يترددون عليه كل حين, إلي جانب بيت الزوجية الأصيل في فرنسا, وهو عناء مضاعف, فهل أنت مستعد له.. وهل لديك من فائض الطاقة النفسية ما تبدده في تكتم سر زواجك بمصر عن زوجتك الفرنسية وابنائك, وفي الاحتراز لكل كلمة أو تصرف أو اشارة تصدر عنك لكيلا ينكشف السر المكتوم.
وهل لديك فائض آخر من الجهد النفسي تبذله في ارضاء الزوجة الأولي لكي تظل مستنيمة لاطمئنانها إلي أنك لايمكن أن تتزوج عليها ذات يوم, وفي إرضاء الزوجة الثانية واشعارها بتميزها وأفضليتها لكي تصبر علي غيابك لفترات طويلة عنها, ورفضك لاصطحابها معك إلي حيث تعمل وتقيم؟
وماذا تفعل لو كانت الزوجة الثانية طموحا أو شديدة الغيرة أو صاحبة تطلعات مادية واجتماعية وأصرت علي أن يكون لها مثل ما لزوجتك الأولي من اقامة في فرنسا وفيلا لها حديقة.. وعدل في المبيت لديها ليلة بعد أخري؟
انه طريق محفوف بالأشواك والقلاقل.. ولم يسر فيه أحد بغير أن يتكبد ـ راضيا أو ساخطا ـ ضريبته الحتمية من العناء والجهد والتكاليف مهما تكن مهارته!
فهل أنت علي استعداد لدفع هذه الضريبة الباهظة؟
وهل ما تشكو منه وتنكره علي زوجتك وربما كنت قد ألفته ولم يعد يشكل لك مشكلة ملحة يستحق عناء التمزق بين زوجتين, والقلق علي ابنائك لاحتمال حرمانهم من رعايتك الكاملة. واستقلال أمهم بهم دونك إذا علمت بزواجك؟
إنه قرارك واختيارك.. ففكر في الأمر رويا.. وأبلغني بما يستقر عليه رأيك إن شاء الله.