
مشاركة: قصص من بريد الأهرام - قراءة في بعض ما كتب الرائع عبد الوهاب مطاوع
النبـــع الصـــافي!
بـريــد الأهــرام
42935
السنة 127-العدد
2004
يونيو
25
7 من جمادى الأولى 1425 هـ
الجمعة
أنا مدرس نشأت في أسرة متوسطة لأب قضي جل عمره في القوات المسلحة متطوعا ثم قدم استقالته وعمل سائقا لسيارة أجرة.
وقد ربانا أبي علي العزة والكرامة وتحري الحلال في كل كبيرة وصغيرة, حيث إنه حاصل علي الإعدادية الأزهرية ومازالت ذاكرته تحفظ أكثر من ثلثي القرآن والحمد لله,
وقد تخرجت في كلية الآداب وعملت مدرسا للغة العربية والحمد لله, فقد نجحت في عملي ولمع نجمي في مجال الدروس الخصوصية إلي حد أنني لم أكن أجد وقتا للنوم إلا في نفس الشقة التي ألقي فيها دروسي, وأكرمني الله وتزوجت وأنعم الله علي بولد جميل ومضت الحياة بي كأجمل ما يكون.
ثم توالت البلايا بادئة بمشكلات زوجية شبه مختلقة لأني والحمد لله زوج لا أزعم أنني مثالي, لكني أتقي الله في زوجتي, فإن أحببتها أكرمتها وإن أبغضتها لم أظلمها, واستشرت البعض في سبب هذه المشاكل المفتعلة فأشاروا علي بإخراج صدقات لوجه الله ففعلت. وسألت بعض المشايخ فقالوا لي: عليك بتحري الحلال في مأكلك ومشربك مع أني أبذل العرق والجهد في كل قرش أكسبه.
ثم كانت القشة التي قصمت ظهري يوم أن أصيب والدي في حادث بسيارته الأجرة ماتت علي إثره ابنة أختي ذات السنوات الثلاث وكانت إلي جواره عند وقوع الحادث, وتلقيت الخبر بالتليفون فوقع علي كالصاعقة, وطيلة الطريق وأنا أدعو أن ينجي الله والدي, ودخل أبي حجرة العمليات وبقي فيها ست ساعات مرت علينا كالدهر, وعلمنا من الأطباء أنه أجريت له عملية ترقيع للحجاب الحاجز ورفع للرئتين وخياطة للكبد..
ورافقت والدي في المستشفي ستة وعشرين يوما لا أفارقه, فقد كان مثل طفل صغير يحتاج لمن يقوم علي أبسط حاجاته.
وذات يوم وأنا أري أبي يكابد الآلام أقسمت علي نفسي ونذرت ألا أعطي دروسا خصوصية أبدا, لعل الله يرفع عنا هذا البلاء, ثم من الله علي والدي بالشفاء وعادت الحياة تضغط علي بمطالبها وراتبي كما تعلم لايكفي, وعرض علي أبي أن يساعدني بحزء من معاشه لكني اعتذرت له شاكرا لأن إصلاح السيارة التهم كل ما ادخره أبي من كده ومعاشه.. وسألت أهل الفتيا فقالوا من نذر أن يطيع الله فليطعه فاستمررت في رفض اعطاء أي درس وانسحبت من سوق الدروس الخصوصية, وبالرغم من إنني أعاني إلا أنني والحمد لله مصر علي موقفي وثابت علي قسمي ونذري بارا به والحمد لله علي كل حال.
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
لا بأس بما فعلت مادمت راضيا عن نفسك وتري أنك أفضل حالا بعده.. فالمهم هو أن يتوافق كل إنسان مع نفسه ومع أفكاره وأن يكون سلوكه متسقا مع ما يؤمن به من قيم ومبادئ حتي ولو لم يشاركه كثيرون فيها, فينجو بذلك من ازدواج الفكر والسلوك, فإذا كان باب الرزق من الدروس الخصوصية قد أغلق بالنسبة لك الآن, فثق من أن الله سبحانه وتعالي سوف يعوضك عنه بمصادر أخري لا تستشعر أية غضاضة وأنت تنهل من نبعها الصافي بإذن الله.