
مشاركة: فضيحة شركة xerox
شركة "زيروكس Xerox " للتجهيزات المكتبية
أعلنت أنها أخطأت في تقدير أرباحها خلال الفترة من 1997 وحتى عام 2001 وسجلت زيادة قدرها 6 مليارات دولار في إيراداتها خلال الفترة المذكورة. وكانت الشركة قد وافقت على دفع غرامة تقدر بنحو 10 مليون دولار بعدما تقدمت الهيئة المنظمة لسوق الأسهم الأميركية (لجنة السندات والصيرفة) بدعوى قضائية اتهمت فيها الشركة بالمبالغة في الإعلان عن قيمة أرباحها بنحو 3 مليار دولار خلال الفترة المذكورة آنفاً، إلاّ أن صحيفة "وول ستريت جورنال" أشارت إلى أن المبلغ الإجمالي الذي تمت الإفادة عنه بشكل غير صحيح ويربو على الستة مليارات دولار. وقد خضعت الشركة للتدقيق في حساباتها من قبل شركة "برايس ووتر هاوس كووبرز" للمحاسبة وذلك بعد التخلي عن خدمات شركة التدقيق السابقة (كي.بي.إم.جي).
وهذا تقرير كامل اعدة د.خليل العناني / السياسة الدولية
المركز العربي للدراسات المستقبلية
الإقتصاد الأميركي بين الفساد والعولمة
تحت موضوع
الاقتصاد الأميركي بين مطرقة الفساد وسندان العولمة
يشهد الاقتصاد الأميركي حالة من عدم الاتزان نتيجة لسلسلة الفضائح المالية والمحاسبية التي أصابت العديد من كبرى الشركات الأميركية خاصة تلك العاملة في مجال الاتصالات على مدى الشهور القليلة الماضية. وقد كشفت تلك الفضائح النقاب عن حجم الفساد وعدم الشفافية المنتشرين في أوساط المال الأميركية، بل يرى البعض أن آثار هذه الفضائح على الاقتصاد الأميركي ربما بكون أشد وطأة من تلك الناجمة عن أحداث سبتمبر 2001.
وتحاول هذه الورقة مناقشة الأزمة الراهنة التي يعانيها الاقتصاد الأميركي والتي تتعلق في المقام الأول بالفضائح المحاسبية للشركات الأميركية، وتوابعها الداخلية والخارجية، هذا فضلاً عن إمكانية التغلب عليها والخروج من نفقتها. ولكن قبل الخوض في تفاصيل هذه الأزمة تجدر الإشارة في البداية إلى ضرورة التعرف على الوضع الحالي للاقتصاد الأميركي وذلك في سبيل معرفة مدى عمق وتأثير الأزمة الحالية عليه.
أولاً : الوضع الحالي للاقتصاد الأميركي بعد مرور عام على أحداث سبتمبر 2001
يمكن القول أن الاقتصاد الأميركي يشهد حالياً إحدى دورات الضعف والتدهور، إن لم يكن الركود الذي ربما قد يفضي إلى نوع من الكساد على الأمد الطويل، منهياً بذلك عقداً كاملاً من الرخاء والرفاهية التي لم يشهدها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو عقد التسعينات من القرن الماضي. فقد أعلنت وزارة التجارة الأميركية في الأول من أغسطس الماضي أن الاقتصاد الأميركي يمر بمرحلة من الركود نتيجة لتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي بشدة في النصف الأول من العام الحالي. وقد أظهرت البيانات الصادرة عن الوزارة أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المحسوب على أساس سنوي والمعدل وفقاً للعوامل الموسمية قد بلغ 1.1% في الربع الثاني من العام الحالي وهو ما يعادل نصف نسبة ال 2.3% التي كان يتوقعها خبراء الاقتصاد في وول ستريت. كما عدلت الوزارة في ذات الوقت توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي في الربع ا لأول من العام الحالي بالخفض من 6.1% إلى 5% فقط. وقد جاء الكشف عن حدة الركود الذي يعانيه الاقتصاد الأميركي عندما أصدرت وزارة التجارة الأميركية نتائج مراجعتها السنوية لأرقام أداء الناتج المحلي لفصول الأعوام الثلاثة الماضية علاوة على الفصلين الأولين من السنة الجارية. وقد أشارت البيانات إلى أن متاعب الاقتصاد الأميركي قد بدأت في الفصل الأول من العام الماضي وتعمقت في الفصلين الثاني والثالث، وانكمش الاقتصاد بنسبتي 0.6% و 1.6% في الفصلين الأول والثاني على التوالي، بينما انخفض الناتج المحلي فعلياً بنسبة 0.3% في الفصل الثالث. ومن المفارقات أن الوضع الاقتصادي كان قد تحسن في الربع الأخير من العام الماضي أي بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث أعلنت وزارة التجارة الأميركية أن الفصل الرابع من العام الماضي قد نجح في التغلب على التحديات الاقتصادية التي أفرزتها الأحداث حيث ارتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي كي يصل إلى 2.7% مما ساهم في تخفيف حدة نتائج الأداء الاقتصادي بصفة عامة العام الماضي وهو ما مهد الطريق لتحقيق نتائج أفضل في بداية العام الحالي.
وبصفة عامة يتضح مدى الضعف الحالي في الاقتصاد الأميركي من خلال متابعة المؤشرات التالية :
· انخفاض مؤشرات نمو الناتج المحلي الإجمالي وتراجع حجمه من 9.7 تريليون دولار العام الماضي إلى نحو 9.5 تريليون دولار منتصف العام الحالي مما يترتب عليه زيادة عجز الموازنة العامة والذي بلغ خلال شهر مايو الماضي فقط نحو 37.64 مليار دولار. وقد توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الأميركي بنسبة 2.5% فقط خلال العام الحالي مقارنة بنسبة نمو بلغت 4% عام 2000.
· تراجع مؤشر جامعة ميتشجان لثقة المستهلك الأميركي في يوليو الماضي إلى أدنى مستوى له منذ نوفمبر الماضي حيث سجل نحو 86.5% في يوليو الماضي مقارنة بنحو 92.4% في يونيو الماضي، كما تراجع معدل الإنفاق الاستهلاكي بمقدار الضعف خلال الربع الثاني من العام الحالي حيث وصل إلى 2.8% مقارنة بنحو 5.6% في الربع الأول. وجدير بالذكر أن الإنفاق الاستهلاكي يشكل ثلثي الناتج المحلي الإجمالي الأميركي. وفي نفس الوقت ارتفعت مخزونات الشركات الأميركية من السلع الراكدة لأول مرة منذ الربع الأخير من عام 2000 ووصل المخزون إلى نحو مليار دولار في الربع الثاني من العام الحالي.
· انخفاض فوائض الميزانية العامة من 5.6 تريليون دولار في يناير 2001 إلى 1.6 تريليون دولار في يناير 2002، وارتفاع العجز إلى ما يوازي 150 مليار دولار خلال العشرة شهور الأولى من السنة المالية للعام الحالي مقابل فائض قُدّر بنحو 172 مليار دولار في نفس الفترة من العام الماضي. ويُتوقع أن يصل العجز إلى 165 مليار دولار بنهاية العام الحالي مع احتمالات عودة الفائض بدءاً من عام 2005 بمقدار 53 مليار دولار، يرتفع إلى 60 مليار دولار في 2006 ثم 48 مليار دولار في 2007.
· ارتفاع معدلات الدين العام الداخلي كي تصل إلى نحو 6.5 تريليون دولار العام الحالي مقابل 5.8 تريليون دولار العام الماضي، وهو ما يعود لعدة عوامل منها التخفيضات الضريبية التي أقرّتها الإرادة الأميركية الحالية لمدة عشر سنوات قادمة والتي تُقدّر بنحو 1.35 تريليون دولار، هذا فضلاً عن ارتفاع معدل الإنفاق العسكري بنحو 14.3% (من 239 مليار دولار أوائل العام الماضي إلى ما يقرب من 273 مليار دولار في الوقت الحالي). ومن الملاحظ أنه لم يحدث انخفاض في عائدات الضرائب منذ نحو نصف قرن، حيث هبطت بنحو 124.4 مليار دولار بانخفاض قدره 6% وهو ما لم يحدث منذ عام 1955، ووفقاً لمكتب الدين العام الفيدرالي بوزارة المالية الأميركية فإن الدين العام الفيدرالي يتزايد بمتوسط 1.111 مليون دولار يومياً وذلك منذ سبتمبر 2001، وتبلغ حصة المواطن الأميركي من الدين العام نحو 21.398.45 دولار سنوياً.
· تزايد التوقعات بشأن حدوث ما يُسمّى ب "الركود المزدوج Double Dip " في الاقتصاد الأميركي وهو ما يعني حدوث ركود كما حدث في العام الماضي يعقبه فترة انتعاش ضعيفة ثم ركود آخر، وقد حذّر العديد من الخبراء الاقتصاديين الأميركيين من أن هناك احتمالات كبيرة للدخول في مرحلة من الركود المزدوج تشبه تلك التي حدثت في بداية الثمانينات والتي شهد فيها الاقتصاد الأميركي في يوليو 1981 تراجعاً بعد فترة ركود تلت مرحلة فترة أولى من الانكماش التي بدأت في يناير 1980. ورغم إمكانية حدوث هذا مجدداً، إلاّ أن مسئولي البيت الأبيض يفضّلون الحديث عن تباطؤ في النمو بدلاً من عودة الركود، بيد أن هناك نحو 68% من الأميركيين يرون أن الاقتصاد الأميركي قد دخل فعلياً في مرحلة ركود.
وخلاصة القول أنه في ظل هذا الأداء المتعثّر للاقتصاد الأميركي، جاءت أزمة الفضائح المحاسبية للشركات الأميركية كي تزيد الأمر سوءاً وتدفع بالاقتصاد الأميركي نحو حالة من الركود المؤكد، بل لم يستبعد البعض أن يؤدي ذلك إلى حدوث كساد إذا ما استمرّت الأمور على ما هي عليه الآن.
ثانياً : أزمة الفضائح المالية والمحاسبية للشركات الأميركية :
قبل الخوض في تفاصيل الأزمة الحالية للشركات الأميركية يجب التأكيد على الحقائق التالية:
· أن مسلسل انهيار وإفلاس الشركات الأميركية ليس وليد اليوم، وإنما يعود إلى نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي وتحديداً عام 1997 والذي شهد وحده انهيار وإفلاس نحو 82 شركة بلغت قيمة رأسمالها نحو 17.2 مليار دولار، ثم ارتفع العدد عام 2000 ليصل إلى نحو 176 شركة برأسمال يُقدّر بنحو 94 مليار دولار.
· أن الآثار المترتّبة على هذه الأزمة ربما تكون أشد وطأة وأكثر حدّة من تلك التي ترتّبت على أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وذلك لسببين : الأول وهو أن الأزمة الحالية نابعة من عوامل داخلية بحتة، بل ويتورّط فيها لفيف من السياسيين يأتي على رأسهم الرئيس الأميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني، وبالتالي فليس هناك عدو خارجي ستوجّه إليه أصابع الاتهام على غرار ما حدث عقب أحداث سبتمبر. أما السبب الثاني فيتعلّق بأزمة الثقة التي أصابت الاقتصاد الأميركي سواءً من جانب المواطن الأميركي نفسه أو المستثمرين العالميين من جانب آخر، وهو ما قد يترتب عليه هروب الاستثمارات العالمية خارج الولايات المتحدة.
· أما الحقيقة الثالثة فهي أن مسلسل الفضائح المالية لم يقتصر على الضفة الغربية للأطلسي بل امتدّ ليشمل الضفة الشرقية له ونقصد بالطبع الشركات الأوروبية تحديداً، مما يعني أنها ظاهرة عالمية ويطرح تساؤلات جمة حول جوهر النظام الرأسمالي ونظرية العولمة التي يتبناها ويروّج لها منذ ما يقرب من عقد من الزمان؟
1- مظاهر الأزمة
ونقصد هنا أزمة أهم الشركات الأميركية التي تعرضت للإفلاس والانهيار المالي أو تلك التي خضعت ولا تزال للتحقيق والمراقبة بشكل عام، مع التركيز على شركتي "إنرون" و "وورلد كوم" وذلك نظراً لكبر حجمها وضخامة الآثار التي ترتبت على انهيارهما وذلك كما يلي :
شركة "إنرون" Enron
تعود بدايات شركة "إنرون" إلى منتصف ثمانينات القرن الماضي وتحديداً عام 1985 إثر اندماج شركتين صغيرتين تعملان في مجال توزيع الغاز الطبيعي، وفي عام 1986 وصلت عائداتها إلى نحو 7.6 مليار دولار، ارتفعت عام 1997 لتصل إلى 20 مليار دولار، ثم 101 مليار دولار في عام 2000 برأسمال قدره 63 مليار دولار وعدد الموظفين بلغ 21 ألف موظف. وقد صعد نجم "إنرون" في التسعينات نتيجة لسياسة إعادة تنظيم وضبط أسواق الطاقة في الولايات المتحدة، فضلاً عن حجم الاتصالات والعلاقات السياسية التي خلقتها إنرون في مجتمع السلطة والسياسة.
وخلال عقد التسعينات استطاعت إنرون أن تصبح من أكبر عشر شركات أميركية حيث استحوذت على نحو 20% من أسواق الطاقة داخل الولايات المتحدة وأوروبا، وغطت أعمالها نحو 40 دولة. ولم تقتصر أنشطتها على قطاع الطاقة فحسب، بل امتد ليشمل قطاعات أخرى تجارية مثل تسويق الكهرباء عام 1994 والأخشاب وورق الطباعة والمعادن والاتصالات والألياف الضوئية، هذا فضلاً عن خدمات السمسرة والمال والتأمين والوساطة التجارية، مما ترتب عليه أن وصل حجم تعاملاتها عام 2000 إلى أكثر من مائة مليار دولار، كل ذلك أهّلها كي تحتل المرتبة السابعة من حيث حجم الأعمال من بين 500 شركة عملاقة في الولايات المتحدة وفقاً لتصنيف مجلة "فورشين" الأميركية.
ولم يقتصر نشاط إنرون على الولايات المتحدة فقط، بل امتد ليشمل مختلف قارات العالم، فعلى سبيل المثال قامت ببناء محطة "دابول" لتوليد الطاقة الكهربائية في ولاية "مهاراشترا" الهندية بتكلفة بلغت نحو 2.9 مليار دولار وبمساهمة شركتين أميركيتين هما "جنرال إليكتريك" و "بكتل إنتربرايز"، كذلك قامت بإنشاء محطة لتوليد الكهرباء في قطاع غزة في منتصف عام 1999 بتكلفة بلغت 150 مليون دولار.
وبالنسبة للأرباح الصافية فقد تطورت من 7.3 مليون دولار عام 1998 لتصل إلى 893 مليون دولار عام 1999 ثم 979 مليون دولار عام 2000، مسجلة زيادة بنسبتي 27% و 10% على التوالي. وهو ما وضعها في مرتبة عالية في أسواق المال، وقد بلغت القيمة الاسمية لأسهمها في بداية فبراير 2001 نحو 60 مليار دولار وهو ما يعادل خمسة أضعاف قيمتها الدفترية، وتراوحت قيمة السهم ما بين 80 إلى 90 دولار.
ولقد بدأت المشاكل المالية "لإنرون"- والتي تتخذ من مدينة هيوستن بولاية تكساس مقراً لها- في منتصف أكتوبر من العام الماضي، وذلك عندما سجلت الشركة خسائر تقدر بنحو 638 مليون دولار وانخفضت قيمة أسهمها بنحو 1.6 مليار دولار في الربع الثالث من العام الماضي نتيجة للصفقات التي عقدها المسؤول المالي في الشركة "آندرو فاستو" والذي استطاع أن يحصل على 30 مليون دولار في شكل عمولات.
وعلى قدر كبر حجم الشركة جاءت الخسائر، ففي الثامن من نوفمبر الماضي تمت مراجعة حسابات الشركة على مدار الخمسة أعوام الأخيرة (1996-2001) مما أسفر عن وجود خسائر تُقدّر بنحو 586 مليون دولار، وفي الثامن من ديسمبر الماضي أقامت الشركة دعوى لإعلان إفلاسها رسمياً فيما يعد أكبر دعوى إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة في حينها. وجاءت دعوى الإفلاس نتيجة لإخفاء الشركة نحو مليار دولار في حساباتها مما جعلها تبدو في وضع أفضل من وضعها الحقيقي. وفي الوقت الذي كانت تقوم فيه الشركة بجني الأرباح، كانت الخسائر تنهال على المساهمين وغالبيتهم من الموظفين العاملين بها والبالغ عددهم نحو 21 ألفاً، حيث اهتم 29 مسؤول في إنرون بإنقاذ أنفسهم قبل الإفلاس فقاموا ببيع أسهمهم بقيمة تتراوح ما بين 31 و 86 دولار للسهم في حين وصل سعر السهم بعد الإفلاس إلى أقل من 45 سنتاً. كما تمكن المسؤولون بالشركة من بيع نحو 17.3 مليون سهم خلال الفترة من 1999 وحتى أواسط عام 2001، وحققوا أرباحاً بلغت نحو 1.1 مليار دولار. وقد ألحق انهيار الشركة بالمستثمرين خسائر ناهزت 60 مليار دولار.
ومع بدء التحقيقات في قضية إفلاس "إنرون" اتسعت الدائرة لتشمل عدداً من المؤسسات الأخرى التي تورطت معها، ويأتي في مقدمتها شركة "آرثر أندرسون" للخدمات المحاسبية والتي أدينت بتبديد الوثائق والمستندات الخاصة بإنرون. وقد أسفرت التحقيقات التي ما زالت مستمرة عن توجيه الاتهام إلى بعض مسئولي إنرون ومنهم "مايكل كوبر" مسئول وحدة الحسابات الدولية والذي أقر بذنبه في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، ووجهت إليه تهمتي تآمر وهما : تهمة التآمر لاقتراف جريمة التزوير، وتهمة التآمر لاقتراف جريمة غسيل أموال.
شركة "وورلدكوم World Com " للاتصالات
بدأت شركة "وورلدكوم" للاتصالات أعمالها مع بداية عقد الثمانينات، وكانت وقتئذ مجرد شركة صغيرة، ثم تحولت خلال عقد التسعينات كي تصبح ثاني أكبر مؤسسة للاتصالات في الولايات المتحدة. وخلال عقدين من الزمن استطاعت أن يكون لها ما يربو على نحو سبعين فرعاً في نحو 65 دولة، وبلغ عدد موظفيها نحو 60 ألف موظف وتقدم خدماتها لنحو 20 مليون عميل وتتولى نصف عمليات نقل بيانات شبكة الانترنيت على مستوى العالم، ولعل ذلك ساهم في رفع سعر سهمها حتى وصل إلى الذروة في شهر يونيو 1999 حين سجل 60 دولاراً للسهم الواحد.
وقد بدأت الشركة في مواجهة المتاعب المالية بعد رحيل مؤسسها ورئيسها التنفيذي "براين إيبرز" في أبريل الماضي والذي قام باقتراض مئات الملايين من الدولارات من الشركة. وقد اعترفت الشركة في يونيو الماضي بأنها سجلت في شكل غير سليم نحو 3.85 مليار دولار في صورة نفقات وضخمت من عوائدها في الفترة من يناير 2001 وحتى مارس 2002، كما قامت الشركة بفصل المدير المالي "سكوت سوليفان" بحجة أنه المسؤول عن الفضيحة المحاسبية. وأشارت التقارير إلى أن المخالفات التي كشفت في دفاتر المحاسبة الداخلية تضمنت تحويلات بين حسابات داخلية بلغت 3.055 مليار دولار للعام 2001 و 797 مليون دولار في الربع الأول من العام الحالي مما يتعارض مع قواعد المحاسبة.
وفي 21 يوليو الماضي أعلنت الشركة- التي تبلغ أصولها 107 مليار دولار- عن إفلاسها رسمياً تحت وطأة ديون عالية المخاطر بلغت 41 مليار دولار وفضيحة محاسبية تقدر بنحو 3.8 مليار دولار، وهو ما مثل أكبر حالة إفلاس في التاريخ الأميركي على الإطلاق، وهوى سعر سهمها ليصل إلى أقل من 9 سنتات في يوم 23 يوليو 2002. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث أعلنت الشركة في التاسع من أغسطس الماضي عن اكتشاف مخالفات محاسبية أخرى بقيمة 3.3 مليار دولار، لترتفع بذلك قيمة مخالفاتها المحاسبية لتصل إلى ما يقرب من 7 مليار دولار. وجاء في هذا التطور بعد أن أعلنت الشركة أنه تم ترحيل 3.3 مليار دولار بشكل خاطئ في دفاترها من عام 1999 إلى الربع الأول من العام الحالي.
شركة "زيروكس Xerox " للتجهيزات المكتبية
أعلنت أنها أخطأت في تقدير أرباحها خلال الفترة من 1997 وحتى عام 2001 وسجلت زيادة قدرها 6 مليارات دولار في إيراداتها خلال الفترة المذكورة. وكانت الشركة في مايو الماضي قد وافقت على دفع غرامة تقدر بنحو 10 مليون دولار بعدما تقدمت الهيئة المنظمة لسوق الأسهم الأميركية (لجنة السندات والصيرفة) بدعوى قضائية اتهمت فيها الشركة بالمبالغة في الإعلان عن قيمة أرباحها بنحو 3 مليار دولار خلال الفترة المذكورة آنفاً، إلاّ أن صحيفة "وول ستريت جورنال" أشارت إلى أن المبلغ الإجمالي الذي تمت الإفادة عنه بشكل غير صحيح ويربو على الستة مليارات دولار. وقد خضعت الشركة للتدقيق في حساباتها من قبل شركة "برايس ووتر هاوس كووبرز" للمحاسبة وذلك بعد التخلي عن خدمات شركة التدقيق السابقة (كي.بي.إم.جي).
مؤسسة "جلوبال كروسينج Global Crossing للاتصالات
وقد كانت تمثل إحدى علامات التقدم التكنولوجي الأميركي، وبلغت أصولها 26 مليار دولار وقد أعلنت عن إفلاسها في 28 يناير الماضي وبعد ذلك بدأت التحقيقات حول الممارسات المحاسبية للشركة والتي يشرف عليها مؤسستا "كمارت وتيكو" العالميتين واللتين خضعتا بدورهما للمراقبة. وفي أغسطس الماضي توصل المشرفون على عملية إفلاس الشركة إلى اتفاق لبيعها لشركتين آسيويتين هما : شركة "هاتشيسون وهامبورا" وشركة "سيفانورة" للتكنولوجيا وذلك مقابل 200 مليون دولار فقط. وبموجب الاتفاق ستدفع الشركتان الآسيويتان 300 مليون دولار أخرى نقداً وتصدر سندات بقيمة 200 مليون دولار للمقرضين والدائنين السابقين للشركة. وفي نفس الوقت ستستحوذ الشركتان الآسيويتان بموجب الاتفاق على 61.5% من أسهم الشركة، ويخصص 6% من السهم للمقرضين و32.5% للدائنين الآخرين.
بالإضافة إلى الشركات السابقة فهناك شركات عديدة تعرضت للملاحقات القضائية والإفلاس نذكر منها على سبيل المثال مؤسسة "أديلفيا" للاتصالات والتي تعد سادس أكبر شركة كابل في الولايات المتحدة حيث بلغت أصولها نحو 24 مليار دولار، وأعلنت إفلاسها في 25 يناير الماضي. كذلك شركة "ميريل لينش" للخدمات المالية، وشركة "كويست كومينيكايشنز" للاتصالات، وشركتي "تايم وورنر وأميركا أون لاين" العملاقتين، وكانت آخر الشركات التي خضعت ولا تزال للتحقيقات شركة "تشارت كومينكايشنز" للاتصالات والتي تعد ثاني أكبر شركة كابل في الولايات المتحدة.
تشخيص الأزمة الحالية :
رغم اختلاف الآراء حول تشخيص الأزمة الحالية، إلاّ أنه يمكن القول أن هناك مجموعة من العوامل المباشرة وغير المباشرة التي أفرزت تلك الأزمة نجملها فيما يلي :
I- العوامل المباشرة
ويقصد بها تلك العوامل التي ساهمت بشكل مباشر وواضح في إعلان العديد من الشركات الأميركية عن إفلاسها وتتمثل تلك العوامل فيما يلي :
الفضائح المحاسبية للشركات :
يجمع المحللون على أن أحد الأسباب الرئيسية وراء أزمة الشركات الأميركية يعود إلى التلاعب المحاسبي الذي أدى إلى خداع الدولة والمستثمرين، ولجوء مكاتب المحاسبة إلى أساليب ملتوية للالتفاف حول قواعد الشفافية والمصارحة.
ويعمل ميكانيزم الخداع المحاسبي من خلال آليتين : الأولى وتتلخص في الطريقة التي تدير بها الشركات الأميركية حساباتها، حيث تسعى تلك الشركات إلى تقليص حجم نفقاتها وتضخيم أرباحها وإيراداتها مما يخلق الانطباع بأنها تحقق مكاسب مرتفعة. ولتقليص حجم نفقاتها، فإن الشركات تستغل أن إصدار الأسهم لا يعتبر نفقات ولا تدفع عنه ضرائب فتلجأ إلى دفع رواتب مديريها في شكل رزمة أسهم "Stoch Options " وليس نقداً، وبذلك تبدو الشركة وكأنها لم تنفق رواتب لمديريها. وبالتالي فإنه عندما يقوم الموظفون ببيع رزمات أسهمهم بسعر أعلى من السعر المحدد فإن الشركة تسجل الفارق كخسارة وتستخدم هذه الخسارة لتصفية ديونها المستحقة عليها ضريبة الدخل. وباستخدام هذه الطريقة استطاعت الشركات التي تستخدم بكثافة وسيلة الدفع بالأسهم مثل "مايكروسوفت" و "سيسكو سيستمز" و "ديل كمبيوتر" تصفية الضرائب المستحقة عليها للحكومة الفيدرالية في السنوات الأخيرة. وقد تمكنت شركة "إنرون" للطاقة بهذه الطريقة من تصفية أكثر من 625 مليون دولار كان عليها أن تدفعها كضرائب بين الأعوام 1996 و 2000.
وتعمل الآلية الثانية من خلال تعهد الشركات لأحد مكاتب المحاسبة بتوفيق الأوضاع وإبراز أنها تحقق مكاسب سنوية خيالية، وهنا يزداد الإقبال على الاستثمار في أسهم هذه الشركات اعتقاداً بتحقيق مكاسب فعلية في حين أنها في الواقع مكاسب وهمية ولا تمت للواقع بصلة.
فساد المديرين التنفيذيين :
وهذا العامل يرتبط بسابقه، والواقع أن ظاهرة فساد المديرين التنفيذيين ليست جديدة، ولكن ما أظهرها وطفا بها على السطح في الشركات الأميركية هو مدى ضخامة وانتشار أعمال هذه الشركات على مستوى العالم وبالتالي رغبة المديرين في تعظيم أرباحها بشكل أو بآخر. وهنا نعود لمفهوم "رزمة الأسهم Stock Options " الذي طرحناه من قبل، وذلك للتأكيد على أن رزمة الأسهم تعطى للمدير أو الموظف ويكون بإمكانه الاستثمار فيها لفترة محددة قد تصل إلى عشر سنوات وبإمكانه أن يربح إذا ما ارتفعت قيمة أسهم الشركة وبالعكس، أما إذا لم يبعها في الوقت المحدد فسيفقدها تماماً.
ولا شك أن إشراك المدير في أسهم الشركة يعطيه حافزاً شخصياً لرفع قيمة أسهم الشركة ولو بشكل وهمي وفي أسرع وقت ممكن، وذلك حتى يتمكن من تحقيق أعلى نسبة من الأرباح. وليس أدل على ذلك مما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 22 يوليو الماضي حيث أشارت إلى أن شركة "كابيتال وان Capital One " التي تصدر بطاقات الاعتماد لم تدفع لمديرها "ريتشارد فيربانك" راتباً نقدياً على الإطلاق بل على شكل رزمة أسهم حتلا عام 2007، وبناءً عليه فيتوقع أن ترتفع قيمة أسهم المدير إلى 105 ملايين دولار إذا ما ارتفعت قيمة أسهم الشركة ب 5% سنوياً أو على 270 مليون دولار إذا ما ارتفعت ب 10% سنوياً. وتتبع غالبية الشركات الكبيرة نفس الأسلوب. وتشير بعض الإحصائيات التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الصادر بتاريخ 11 يوليو الماضي إلى أن قيمة رزمة أسهم المدراء في ألفين من الشركات الأميركية بلغ نحو 162 مليار دولار عام 2000 وكانت قد بلغت 50 مليار دولار في عام 1997. وتدفع المنافسة المحتدمة بين الشركات لجذب الاستثمارات، إلى استخدام كافة الوسائل حتى غير المشروعة لعرض موازين إيجابية في التقارير المالية الفصلية لشركاتهم مما يخلق انطباعات بزيادة أرباح الشركة مما يساهم بدوره في رفع قيمة أسهمها بعيداً عن وضعها الحقيقي.
دور بيوت السمسرة والمال :
وهنا لعبت التقارير غير الدقيقة التي نشرتها بعض بيوت السمسرة ومكاتب التحليل المالي عن شركات معينة وإعطائها درجات تقويم أكثر مما تستحق، دوراً كبيراً في إبراز حجم الفساد المستشري في الإدارة العليا للشركات الأميركية. ومن أشد الأمثلة في هذا الإطار ذلك الدور الذي لعبته شركات استثمار ضخمة مثل شركة "ميريل لينش" التي كانت لها مصلحة في تضخيم أسهم الشركات الأخرى مقابل الحصول على عمولة إصدار الأسهم وقد قامت بتوظيف خبراء اقتصاديين كبار كمحللين لنشاط البورصة وكانوا يوصون الناس بالاستثمار في الشركات المتعاقدة مع "ميريل لينش".
كما كان الخداع يتم من خلال دمج أو شراء شركات أخرى بهدف تضخيم رأسمال الشركة وأصولها والتواطؤ مع بنوك كبرى لتسجيل قروض على أنها عقود سمسرة، وفي هذا الإطار أشارت جريدة "وول ستريت" في 23 يوليو الماضي أن شركة إنرون تلاعبت لتضخيم رأسمالها فزادت على الورق نتائجها بمعدل مليار دولار سنوياً استناداً لوثائق داخلية مما مكنها من استدانة 8.4 مليار دولار من "سيتي جروب" المالية و "سيتي بنك" ونحو 7.3 مليار دولار من مؤسسة المال والأعمال "جي.بي.مورجان"، ولفت أحد المسؤولين في التحقيقات مع إنرون الأنظار إلى أن هذه التحويلات المالية أتاحت لإنرون التقليل من قيمة ديونها بنحو 540% وتضخيم سيولتها بنحو 50%.
II- العوامل غير المباشرة :
وهي تتعلق بطبيعة وخصائص الاقتصاد الأميركي ذاته وقد ساعدت بشكل أو بآخر في بلورة الأزمة الحالية وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي :
انفجار فقاعة التكنولوجيا :
وهو ما يعني حدوث تضخم فيما يسمى بالقطاع التكنولوجي وظهور مفاهيم كثيرة من قبيل "الاقتصاد الجديد" و"اقتصاد المعرفة" و "التجارة الالكترونية" وكلها مبنية على تدفق المعلوماتية بشكل أكثر كثافة من أي وقت مضى. ولذا لم يبد غريباً أن تكون غالبية الشركات التي تعرضت للإفلاس أو لمشاكل مالية تعمل في مجال الاتصالات والتكنولوجيا الدقيقة. وتنبع خطورة المفاهيم السابقة من تعظيمها لدور الثورة التكنولوجية وتأكيد الكثيرين من مؤيديها على أنها تفتح آفاقاً لا نهائية للنمو الاقتصادي على نحو لم تعرفه الصناعة التقليدية. وقد تأكدت هذه الفكرة بصورة جليّة في عهد الإدارة الأميركية السابقة حيث روّجت إلى تعزيز التحول من الاقتصاد التقليدي القائم على الصناعات التحويلية إلى الاقتصاد الجديد القائم في جوهره على المعلوماتية، ولعبت فكرة العولمة دوراً هاماً في نشر تلك المفاهيم. ونتيجة لكل ما سبق حدث نوع من الانتفاخ الورقي داخل أسواق المال والبورصات العالمية خاصة بورصة "نيويورك" وجاء إعلان تلك الشركات عن مكاسبها الوهمية التي حققتها خلال عقد التسعينات بمثابة صدمة لأسواق المال ووجهت الأنظار إلى حقيقة أنه لا يمكن الاستغناء عن الإنتاج التقليدي، وليس أدل على ذلك من المقال الذي نشره "فيرد ب. هوتشبرج" في "الهيرالد تريبيون" في 26 يوليو الماضي والذي حمل عنوان "المشروعات الصغيرة لا تخجل من نفسها في إشارة إلى أن المشروعات الصغيرة هي التي استطاعت أن تحقق النمو المحسوس الذي شهده عقد التسعينات المنصرم وليس المشروعات البليونية الكبيرة، ويدلل على ذلك بقوله " أن الازدهار جاء عبر الشركات الصغيرة بينما توزعت ال 20% الباقية على الشركات العملاقة التي انهارت مؤخراً.
العوامل السيكولوجية
ويقصد بها تلك العوامل النفسية التي لعبت دوراً غير مباشر في تضخيم حالة الاقتصاد الأميركي وتتلخص في عاملين :
أحدهما خارجي ويتعلق بالثقة اللامتناهية في الاقتصاد الأميركي، حيث أن جانباً كبيراً من النمو الهائل في الاقتصاد الأميركي خاصة ذلك الذي كان في عهد الرئيس السابق بيل كلينتون يعود في جزء كبير منه إلى الثقة المبالغ فيها في قوة الولايات المتحدة كدولة وفي الدولار كعملة مما جذب المستثمرين من مختلف أرجاء العالم وساهم في حدوث تدفقات استثمارية مذهلة إلى الولايات المتحدة، وبمعنى آخر فإن العالم الخارجي ظل يموّل الاقتصاد الأميركي مما أدى إلى إخفاء جوانب الضعف الأساسية فيه ومنها انخفاض معدّل الادخار المحلي واستمرار العجز في الميزان التجاري وانكماش الصناعة وهبوط معدلات الاستثمار في الصناعات الثقيلة، ولكن بعد أحداث سبتمبر وما نجم عنها من تحولات في السياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي اتسمت بالهجومية، كشفت حقيقة الاقتصاد الأميركي مما دفع العديد من المستثمرين إلى إعادة التفكير في ضخ المزيد من استثماراتهم في الأسواق الأميركية مما أدى إلى انكشافها وتدهور أرباح الشركات بصفة عامة.
أما العامل السيكولوجي الآخر فهو داخلي ويتعلق بسلوك المواطن الأميركي ذاته والذي يستثمر معظم أمواله ومدخراته في البورصة وقد وصل عدد هؤلاء إلى ما يناهز 85 مليون مواطن أميركي. وهؤلاء يتضاعف لديهم حافز الاستثمار في البورصة عندما يعتقدون أن الرواج مستمر ومتزايد مما يدفع إلى حمى شراء الأسهم وبالتالي ارتفاع أسعارها بصورة غير طبيعية وهو ما حدث بالفعل طوال عقد التسعينات. وقد أفضت تلك الموجة إلى ما يسمى بالفقاعة أو "الرواج الزائف" الذي لا يعكس النمو الاقتصادي الحقيقي، وعندما يدرك المستثمرون الصغار ذلك يبدأون في بيع أسهمهم وتحويل استثماراتهم إلى مدخرات أو إيداعات بنكية فيحدث الانهيار في البورصة بشكل متسارع مما قد يفضى إلى انهيار الشركات وتزداد حالات الإفلاس وذلك على نحو ما حدث مؤخراً.
العوامل الأيديولوجية والسياسية
وتنطوي العوامل الأيديولوجية على الطبيعة الرأسمالية ذاتها وفكرة العولمة التي روّجت لها منذ بداية عقد التسعينات وجاءت الخطورة من الاعتماد على إعطاء صلاحيات غير محدودة للشركات كي تتصرف كيفما تشاء من أجل تحقيق الكفاءة القصوى وبأقل التكاليف وهو ما يعني تقليص دور الدولة إلى أقصى حد في إطار تطبيق مفاهيم الاقتصاد الحر وذلك تحت دعوى المنافسة وإبعاد الرقابة الحكومية لتحل محلها الرقابة الذاتية للشركات. ولعل التطبيق الخاطئ لمفاهيم الاقتصاد الحر هو الذي دفع الشركات الكبرى إلى التحايل على المعايير الرقابية المختلفة والتصرف بحرية دون مراجعة أو مساءلة وهو ما وضح خلال الأزمة الحالية.
أما العوامل السياسية فيقصد بها طبيعة العلاقات المتشابكة بين مديري وأعضاء مجالس إدارة الشركات الأميركية وعدد كبير من الساسة في البيت الأبيض وعلى رأسهم الرئيس الأميركي جورج بوش ونائبه ديك تشيني. وترتب على ذلك أن تمتعت تلك الشركات بنفوذ سياسي قوي مثل غطاء لممارساتها المحاسبية، وليس أدل على ذلك من المقال الذي نشرته صحيفة "هيرالد تيبيون" في 26 و27 يناير الماضي والذي ذكر أن 212 نائباً في الكونجرس من أصل 248 يشاركون في اللجان ال 11 التي تشكلت للتحقيق في قضية "إنرون" سبق أن تلقوا تبرعات مالية لتمويل حملاتهم الانتخابية من شركة "إنرون" ذاتها أو من شركة "إندرسون" للمحاسبة والتي ثبت تورطها في نفس القضية. كما ذكر تقرير لمجلة "نيوزويك" أن رئيس مجلس إدارة شركة "إنرون" (كين لاي) يمتلك شبكة واسعة من العلاقات داخل الكونجرس وكان من أكبر المتبرعين لحملة الرئيس بوش الانتخابية في ولاية تكساس عام 1994 حيث قدم تبرعات تُقدر بنحو 146 مليون دولار، كما كان من أكبر الداعمين للحملة الرئاسية عام 2000. كما أشار التقرير إلى أن علاقة إنرون قد تخطت بوش لتصل لنائبه "تشيني" وكارل روف المستشار السياسي للرئيس والذي سعى إلى تعيين كبير مخططي الحزب الجمهوري بمنصب رئيسي بالشركة عام 1997.
كل ما سبق دفع مدراء الشركات إلى التصرف بحرية وجرأة دون رقيب استناداً على الدعم السياسي الذي يلقونه من ذوي المقام الرفيع في الإدارة الأميركية.
2- الإجراءات التي اتخذت لمواجهة الأزمة
عقب الإعلان عن إفلاس شركة "وورلدوم" – والذي مثل صدمة كبيرة لأسواق المال داخل الولايات المتحدة وخارجها- حث الرئيس الأميركي الكونجرس على تحرير تشريع يفرض عقوبات على الشركات ويعزز الرقابة على أنشطتها المحاسبية. وفي الخامس والعشرين من يوليو الماضي أقرّت لجنة مشتركة من مجلس الشيوخ والنواب مشروع القانون الجديد الذي يدور حول إصلاح المعايير المحاسبية وتشديد العقوبات على المديرين التنفيذيين المتورطين والمتهمين بإخفاء أو تزوير بيانات الشركات لتصل إلى 20 عاماً وهو ما يعادل خمسة أضعاف المدة السابقة. كما نص التشريع على إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على شركات التدقيق المحاسبية وتتولى تحديد قواعد العمل والتحقيق وتنظيم نشاط جميع الشركات الأميركية، ووضع القواعد الخاصة بعدم استفادة أعضاء مجالس إدارة الشركات ومديريها من مناصبهم في تحقيق مكاسب استثمارية خاصة. ومن المقرر أن تشرف لجنة سوق الأوراق المالية على الهيئة الجديدة. غير أن الهيئة ستتمتع بالاستقلال التام فيما يتعلق بالتمويل واختيار الأعضاء. وفي 26 يوليو الماضي أقر مجلس الشيوخ مشروع القانون بالإجماع وذلك بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية بلغت 423 صوتاً ومعارضة 3 أصوات فقط، وأطلق عليه "قانون إصلاح الشركات".
فور إصدار القانون تباينت الآراء حول مدى فاعليته وقدرته على القضاء على مظاهر الخداع والتحايل في الشركات الأميركية، وظهر خلاف واضح بين كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ففي حين يرى زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ "توم داشل" أن القانون غير ذي جدوى لأن المشكلة لا تكمن في الاقتصاد بقدر ما هي في "عدم وجود قيادة اقتصادية فاعلة" على حد قوله، كما علقت النائبة الديمقراطية في مجلس النواب "نانسي بيلوس" بقولها "أن القانون يمثل إصلاحات تجميلية وليس تغييرات جذرية حقيقية". على الجانب الآخر يرى الجمهوريون أن القانون سيضع حداً لأعمال التحايل والخداع وسيوفر الحماية للمستثمرين من محاولات الابتزاز والتضليل وقد عبر الرئيس بوش بنفسه عن هذا الاتجاه بقوله "أن تمرير الكونجرس لمشروع القانون يعتبر نصراً لحملة الأسهم".
وبعيداً عن هذا وذاك يمكن القول أن القضية لا تتعلق بمجرد إصدار قانون بقدر ما تتعلق بمنظومة الأخلاق التي تسيطر على تعاملات الشركات الكبرى ومدى تمتعها بثقة المتعاملين معها، هذا فضلاً عن مراعاة نصوص القانون ومدى الالتزام بها.
ثالثاً : تكلفة الأزمة داخلياً وخارجياً :
· داخلياً :
- خسائر المواطن الأميركي :
تمثلت أهم الخسائر التي نجمت عن سلسلة الانهيارات المالية للشركات الأميركية في تلك الواقعة على عاتق المواطن الأميركي نفسه، حيث وجد ملايين من الأميركيين (نحو 100 مليون شخص) الذين يستثمرون أموالهم ومدخراتهم ومعاشاتهم في البورصة، وجدوها تتعرض للضياع والانهيار نتيجة للفضائح المحاسبية للشركات. وتبلغ ملكية المواطنين العاديين الذين يستثمرون أموالهم في صندوق المعاشات ومدخرات وحسابات المعاشات الفردية نحو خمسة تريليونات.
جدول (1) التقديرات المتفائلة والمتشائمة لقيمة أسواق الأسهم عقب أزمة الفضائح المالية.
التقديرات المتشائمة وفقاً لإغلاق
22 يوليو 2002
التقديرات المتفائلة وفقاً لإغلاق
30 يوليو 2002
الخسائر
مليارات الدولارات
خسائر الناتج المحلي الإجمالي
خسائر السوق
مليارات الدولارات
خسائر الناتج المحلي الإجمالي
خسائر السوق
الخسائر الحقيقية
الخسائر المتوقعة
39.2
41.1
0.37%
0.39%
18.7%
19.6%
28
32.8
0.27%
0.31%
13.4%
15.6%
الخسائر الحقيقة
الخسائر المتوقعة
جدول (2) أكبر الانخفاضات اليومية الحادة في مؤشر داو جونز خلال نصف قرن
فترة التعافي (بالأسبوع)
معدل الانخفاض
تاريخ الهبوط
4
2
2.5
3.5
8.5
7
1
66
1
10
10.6
4.4
7.13 % -
5.66 % -
6.37 % -
7.18 % -
6.91 % -
6.85 % -
8.04 % -
22.61 % -
5.71 % -
6.54 % -
8.30 % -
6.71 % -
17 سبتمبر 2001
14 أبريل 2000
31 أغسطس 1998
27 أكتوبر 1997
12 أكتوبر 1989
8 يناير 1988
26 أكتوبر 1987
19 أكتوبر 1987
28 مايو 1962
26 سبتمبر 1955
المتوسط
المتوسط بدون 19 أكتوبر
(*) مؤشر داو جونز على شبكة الانترنت.
جدول (3) أكبر الانخفاضات التدريجية في مؤشر داو جونز خلال نصف قرن
مدة الرجوع لآخر معدل للذروة (بالسنوات)
معدل الانخفاض
تاريخ الذروة
0.75
2
1.5
4.5
9.8
3.9
6.8
1.75
3.9
21.2 %
36.1 %
24.1 %
26.9 %
45.1 %
35.9 %
25.2 %
27.1 %
30.2 %
16 يوليو 1990
25 أغسطس 1987
27 أبريل 1981
21 سبتمبر 1976
11 يناير 1973
3 ديسمبر 1968
9 ديسمبر 1966
31 ديسمبر 1961
المتوسط
(*) مؤشر داو جونز على شبكة الانترنت.
جدول (4) مسلسل الإفلاس والانهيارات المالية الأميركية
اسم المؤسسة
التاريخ
تقارير إنرون تشير إلى خسائر بنحو مليار دولار وانخفاض قيمة أسهمها بنحو 20 %
منتصف أكتوبر 2001
سهم "ستاندرد أند بورز" لشركة إنرون ينخفض وإنرون تعلن إفلاسها وتبدأ تحقيقات الكونجرس الأميركي وتبدأ معها كرة الثلج في الانسياب
أواخر نوفمبر وأوائل ديسمبر 2001
التحقيقات تكشف أن مؤسسة "آرثر أندرسون" للمحاسبة قد دمرت وثائق متعلقة بقضية إنرون.
10 يناير 2002
مؤسسة "جلوبال كروسينج" تعلن إفلاسها وتبدأ التحقيقات حول الممارسات المحاسبية للشركة والتي يشرف عليها مؤسستا "كمارت و Tuco" العالميتين وهما بدورهما يخضعان للمراقبة وهنا تبدأ أول علامات تأثر أسواق المال.
أواخر يناير 2002
آرثر أندرسون تتهم بعرقلة العدالة.
14 مارس 2002
مؤسسة "آديلفيا" للاتصالات تعاني من شكوك حول تقديم قروض للمديرين التنفيذيين بها.
27 مارس 2002
"زيروكس" توافق على دفع عشرة ملايين دولار للمغالاة في عائداتها بنحو 2 مليار دولار.
1 أبريل 2002
"ميريل لينش" تقيم دعوى قضائية على محللي وخبراء الأسهم في بورصة نيويورك.
21 مايو 2002
رئيس "TYCO "دينيس كوزلويسكي يجبر على الاستقالة نتيجة لتهربه الضريبي.
3 يونيو 2002
"آرثر أندرسون" تدان بواسطة المحكمة الفيدرالية.
12 يونيو 2002
وورلد كوم تكشف عن أخطاء محسبية بنحو 3.5 مليار دولار وهنا تهتز أسواق المال بشدة.
25 يونيو 2002
"كويست كومينيكاشتر" توضع تحت التفتيش الجنائي بواسطة وزارة العدل لانتهاكها القواعد المحاسبية.
10 يوليو 2002
وورلدكوم تعلن أكبر دعوى إفلاس في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
21 يوليو 2002
وزارة العدل توجه تهم جنائية لمسؤولين سابقين بوورلدكوم.
5 أغسطس 2002
ضربة جديدة للاقتصاد الأميركي بإعلان وورلدكوم عن اكتشاف مخالفات محاسبية جديدة تقدر بنحو 3.3 مليار دولار ليصبح إجمالي المخالفات 7.1 مليار دولار.
10 أغسطس 2002
شركة تشارتر كوميونيكايشتر ثاني شركة كابل في الولايات المتحدة تخضع ممارساتها المحاسبية للتحقيق.
16 أغسطس 2002
كما تمثل استثمارات أصحاب المعاشات وحكومات الولايات والنقابات العمالية نحو 60% من الأسهم في مختلف الشركات الأميركية. كما قدرت مؤسسة "مورجان ستانلي" الخسائر التي لحقت بالمستثمرين جراء التحايل الذي قامت به خمس شركات أميركية عملاقة بنحو 460 مليار دولار.
- خسائر أسواق المال :
يمكن القول أن أسواق المال الأميركية قد شهدت خسائر هائلة لم تحدث منذ منتصف عام 1997، بل وتجاوزت تل المسجلة عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ويؤكد ذلك المؤشرات التالية :
هبط مؤشر "داو جونز" للشركات الصناعية الكبرى في الأسبوع الممتد من 7 يوليو وحتى 14 يوليو 2002 بنحو 7.4% وهي أكبر خسارة أسبوعية منذ هبوطه بنحو 14.3% في الأسبوع التالي لهجمات سبتمبر، وفي 15 يوليو ا لماضي انخفض المؤشر بنحو 25% مسجلاً نحو 8.639 نقطة بعد أن كان قد وصل إلى الذروة في مارس الماضي، كما عاد وخسر نحو 400 نقطة في 21 من يوليو الماضي محققاً هبوطاً بنسبة 4.6% ليصل إلى أدنى مستوى له منذ أكتوبر 1998.
في الثاني من يوليو الماضي أغلق مؤشر ناسداك المجمع لشركات التكنولوجيا عند 1357.28 نقطة بخسارة قدرها 3.28%، وهي أدنى من تلك المسجلة عقب أحداث سبتمبر. ثم عاد وهبط في نهاية الشهر ذاته بنسبة 4.1% مسجلاً أدنى مستويات له منذ خمسة أعوام.
انخفض مؤشر "ستاندرد أند بورز" لأكبر 500 شركة في الثاني من يوليو الماضي أيضاً إلى أدنى مستويات له وأكثر من تلك المسجلة عقب أحداث سبتمبر ومن تلك المسجلة منذ يناير 1998 حيث سجل 956.24 نقطة، ثم عاد ليخسر بنسبة 3.88% في جلسة الجمعة 19 من نفس الشهر. وفي نهاية يوليو هبط المؤشر بنسبة 28% وهو معدل لم يشهده منذ عامين.
في 15 يوليو 2002 انخفض الدولار أمام اليورو لأول مرة منذ عامين ونصف حيث حقق اليورو ارتفاعاً بنسبة 15% منذ بدأ حركة صعوده في أبريك الماضي وسجل نحو 1.0089 دولاراً، وكانت المرة الأخيرة التي تساوى فيها اليورو بالدولار في فبراير 2000، بيد أن الوضع لم يستمر طويلاً حتى عاد الدولار إلى الارتفاع مرة أخرى أمام اليورو، كما انخفض الدولار أمام معظم العملات الأوروبية الرئيسية حيث تراجع إلى أدنى مستوى له منذ سنوات أمام الجنيه الاسترليني والفرنك السويسري، كما تراجع أمام الين الياباني ونزل إلى أدنى مستوى له منذ سبتمبر الماضي.
بصفة عامة تراوحت خسائر أسواق المال نتيجة للفضائح المالية المحاسبية الأخيرة بين 6 و 6.5 تريليون دولار وذلك نتيجة لهروب المستثمرين من الأسواق الأميركية.
وخلاصة القول فإن الانخفاض في قيمة الأسهم يؤثر على الأسواق من ناجيتين، الأولى من خلال التأثير على ثروة المستهلكين والتي تمثل الرافد الأساسي للتدفق المالي في الاقتصاد الأميركي، والثانية من خلال تأثير سقوط أسعار الأسهم على فرق القيم وعلى تكلفة رأس المال. ويقدر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حجم الخسائر التي ستصيب الاقتصاد إذا ما استمرت أسعار الأسهم في الهبوط بنحو 35 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي أي بنسبة (0.34%) وذلك خلال السنة الأولى للأزمة، كما تقدر مؤسسة "بروكينج" الاقتصادية الأميركية حجم الخسائر بنحو 15.6% في الأسواق و 0.31% في الناتج المحلي الإجمالي بما يوازي (32.8 مليار دولار) وذلك خلال السنة الأولى للأزمة أيضاً.
ولعل خطر هذه الأزمة يكمن في طبيعة الضرر الذي ستلحقه بقطاع الاستثمار والذي يعاني بدوره مما يطلق عليه الاقتصاديون من "التناقض المزدوج" حيث يتوارى الاستثمار خلف إجراءات التصحيح التي تقوم بها الشركات، وينبع التناقض من أنه لو حاولت الشركات تقليص تكاليفها من أجل التوسع فإنها لا تضمن بالضرورة عودة ثقة المستهلكين والتي تلعب دوراً كبيراً في تحديد حجم استثمار الشركات، وقد تنبأت مجموعة "دولدمان ساشس" بانخفاض الاستثمار بنحو 6% خلال العام الحالي وبنحو 11% خلال العام القادم.
· خارجياً :
يرى المحللون في مؤسسة "بروكينج" الأميركية أن أزمة الحكم الجيد أو Corporate Governance التي نجمت عن الأزمة المالية الحالية قد قلصت كثيراً من فرص الاستثمار الأجنبي الذي هو بطبيعته متقلص نتيجة لحالة عدم الثقة التي أفرزتها تلك الأزمة، حيث أثرت بصورة جلية على الثقة في الاقتصاد الرأسمالي بصفة عامة والأميركي بوجه خاص. ولعل أول مؤشر للتأثير الخارجي لهذه الفضائح هو هبوط أسواق المال في أوروبا واليابان (يكفي أن نعرف أن مؤشر فاينانشال تايمز للأسهم الرئيسية المائة قد انخفض بنسبة لم يصل إليها منذ خمسة أعوام ونصف وألحق هذا الهبوط خسائر بالمؤشر تقدر بنحو 54 مليار جنيه استرليني)، بينما يتمثل التأثير الأكثر صعوبة والأشد وطأة في ذلك الواقع على عاتق البلدان النامية والدول المتحولة حديثاً (دول شرق أوروبا). فلقد كانت الولايات المتحدة تمثل القدوة وتقدم النموذج الفعال والكفء لاقتصاد السوق، وحتى وقت قريب كانت معايير المحاسبة الأميركية موضع تبجيل من معظم الاقتصاديات النامية، وهو ما قد يتغير بفعل الأزمة الحالية. وأصبح التساؤل الذي يطرح نفسه يدور حول آليات السوق وحرية التجارة وفوائد الخصخصة التي أخذت بها معظم بلدان العالم النامي، وليس أدل على ذلك من الأرقام التي أظهرها استطلاع للرأي أقيم مؤخراً في بعض من دول أميركا اللاتينية شمل نحو 18 ألف شخص في بداية عام 2002 بعد فضيحة "إنرون" حيث عبر 26% فقط عن رضائهم عن اقتصاد السوق بينما عبر الباقون عن عدم رضائهم وذلك مقارنة بنحو 50% عام 2000.
رابعاً : كيفية الخروج من نفق الأزمة :
في ضوء تقييم هذه الأزمة وكيفية الخروج منها
تبرز ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الأول : ويرى أن الأزمة تدل على أن ما يمر به الاقتصاد الأميركي يعبر عن مرض مزمن وعميق وليس مجرد حالة عابرة، بل ويشكك في القدرة على تجاوز آثارها وهو ما عبرت عنه افتتاحية جريدة "واشنطن بوست" في 23 يوليو الماضي وذلك بقولها "معارضو الإصلاحات يقولون أن الرأسمالية ستصحح نفسها،… ولكن حتى لو وافقنا على هذا الرأي فليس بوسع النظام الرأسمالي أن يحسن أداؤه إذا واصل خداع الناس".
الاتجاه الثاني : ويرى أن هذه الأزمة تعيد إلى الأذان أجواء أزمة الثلاثينات والتي حدثت عقب موجة الكساد الكبير، ويرى مؤيدوه أن الحل يكمن في أن تؤدي الأزمة الحالية إلى انهيار كامل يترتب عليه حدوث تغيير سياسي داخلي مما يسمح بحدوث تحولات كبيرة في الاقتصاد والمجتمع الأميركي. ولكن هذا الاتجاه يغفل عامل الزمن وتغير الظروف الراهنة عما كانت عليه في القرن الماضي.
الاتجاه الثالث : ويرى أن ما تشهده الولايات المتحدة الآن يمثل حرب للرأسماليين على الرأسمالية، وهو ما عبر عنه "توم بياني" في جريدة لوس أنجلوس تايمز بتاريخ 28 يوليو الماضي حين ذكر أن "كارل ماركس كان محقاً في أن الرأسماليين هم ألد أعداء الرأسمالية". ويؤكد هذا الاتجاه على أن الحل يكمن في أيدي صغار المستثمرين أو أصحاب الأسهم الصغار وقدرتهم على إعادة اختراع الرأسمالية من خلال ممارسة حقوق الملكية بصورة جادة ومنهجية فعالة، ولكن تحقيق ذلك يتطلب جهداً كبيراً.
وبغض النظر عن هذه الاتجاهات، يمكننا القول أن مستقبل الأزمة الحالية سيتوقف إلى حد كبير على قدرة الاقتصاد الأميركي على إعادة إنتاج نفسه مرة أخرى بحيث يعود التركيز مرة أخرى على مجالات الإنتاج الحقيقي الذي يشمل مختلف الأوجه وليس التركيز فقط على المجالات التي تلعب فيه المخاطرة دوراً كبيراً كتلك المتعلقة بالمضاربة في الأسهم والأوراق المالية.
أما عن الوقت الذي قد تأخذه هذه الأزمة حتى تستعيد الأسواق عافيتها وتعود الثقة للاقتصاد الأميركي فمن الصعب معرفة ذلك على الأقل في الوقت الحالي أو على الأقل بعد انتهاء مسلسل الفضائح المالية (على افتراض أن ذلك سيحدث) ولكن يمكن معرفة ذلك من خلال مقارنة هذه الأزمة بالأزمات السابقة والتي تتراوح بين نوعين الأول تلك الأزمات التي أدت إلى انخفاض حاد في أسواق المال كما حدث في أكتوبر 1978، أكتوبر 1989، و11 سبتمبر 2001، والثاني تلك التي أدت إلى الانخفاض التدريجي خطوة بخطوة كما حدث في منتصف السبعينات والتي تشبه ما يحدث حالياً. فبالنسبة للنوع الأول استغرق التعافي وتخطي الأزمة نحو 11 أسبوعاً في المتوسط وهو ما يسمونه بالقيمة الاسمية، بينما في النوع الثاني فقد طالت مدة التعافي حيث وصلت إلى نحو 4 سنوات في المتوسط.
وفي النهاية يبقى تساؤل هام وهو : هل ستمثل هذه الأزمة بداية النهاية لقصة نجاح الاقتصاد الأميركي التي شهدها طوال العقود الزمنية السابقة، وما قد يترتب عليه في- الأمد الطويل – من أفول للنجم الأميركي عن السماء العالمية، خاصة في ظل عالم ما بعد 11 سبتمبر؟ نترك الإجابة للأيام والسنوات القليلة المقبلة.
المراجع
1- وزارة التجارة الأميركية بتاريخ 25 يونيو 2002.
2- جريدة الحياة 20 يوليو 2002 و2 أغسطس 2002.
3- شبكة C.N.N بتاريخ 31 يوليو 2002.
4- واشنطن بوست بتاريخ 4 أغسطس 2002 ومكتب الدين العام الفيدرالي بتاريخ 15 أغسطس 2002.
5- جريدة الفاينانشيال تايمز بتاريخ 10 أغسطس 2002.
6- محمد خالد، جريدة الحياة 10 ديسمبر 2001.
7- David Walash, World Socislist Web, 6/12/2002
8- شبمى بي.بي.سي. الإخبارية بتاريخ 21 أغسطس 2002.
9- جريدة الحياة 23 يوليو 2002.
10- شبكة بي.بي.سي. الإخبارية بتاريخ 28 يونيو 2002.
11- مجلة الصبار، عدد أغسطس 2002، ص 30.
12- المرجع السابق، ص 42.
13- وول ستريت جورنال، 23 يوليو 2002.
14- جرائد الهيرالد تريبيون والحياة والأهرام بتواريخ 26 يوليو، 4 أغسطس، 10 أغسطس 2002 على التوالي.
15- د. محمد السيد سعيد، جريدة الأهرام، 10 أغسطس 2002.
16- د. محمد السيد سعيد، جريدة الأهرام، 15 أغسطس 2002.
17- إبراهيم الصياد، جريدة البيان الإماراتية، 15 فبراير 2002.
18- شبكة C.N.N الإخبارية بتاريخ 27 يونيو 2002.
19- د. محمد السيد سعيد، جريدة الأهرام، 13 أغسطس 2002.
20- أحمد السيد النجار، جريدة الأهرام، 28 أغسطس 2002.
21- شبكة C.N.N الإخبارية بتاريخ 20 يوليو 2002.
22- محمد خالد، جريدة الحياة، 21 يوليو 2002.
23- محمد خالد، جريدة الحياة، 12 سبتمبر 2002.
24- مؤسسة بروكيننج الأميركية، Brooking Institute بتاريخ 15 يوليو 2002.
25- جريدة الحياة، بتاريخ 21 يوليو 2002
26- مؤسسة بروكيننج الأميركية، Brooking Institute ، بتاريخ 22 أغسطس 2002.