العدالة الضريبية الغائبة.. والشرعية القانونية المفقودة
العدالة الضريبية الغائبة.. والشرعية القانونيةالمفقودة
بقلم الأستاذ/أسامه غيث
لا يمكن إصلاح قانون الضريبة العقارية عن طريق تعديلات جزئية لعدد من مواد القانون الصارخة في عدم الدستورية, والفاضحة في مخالفة القواعد الراسخة للعدالة الضريبية.
والمتناقضة جملة وتفصيلا مع أبجديات المساواة في تحمل الأعباء بين المواطنين وتوزيعها عليهم بالعدلوالقسطاس وفقا لمقدرتهم المالية من الثروة والدخل , وقدرتهم بالتالي علي تحملالنصيب الأكبر أو الأقل من الأعباء العامة والتي تسمي في علم المالية العامة المقدرة التكليفية للممول, وتستوجب مسئوليات وزراء المالية العلم بها والالتزام الدقيق بتنفيذها, حتي لا تنزلق السلطة لفخ الصدام مع المواطن وتمزيق النسيجالاجتماعي والسياسي للدولة, وفي ظل ان الخلل الحقيقي لقانون الضريبة العقارية يرتبط بالأساس وفي الأصل بفلسفة القانون الضريبية والمالية التي تتعارض جملة وتفصيلا مع نصوص الدستور المصري وروحه, وتتصادم مع حقائق الحياة ومفرداتهاالواقعية, فإن العلاج الوحيد والضروري يرتبط بإعداد مشروع قانون جديد من الألفإلي الياء للضريبة العقارية يتبني فلسفة ضريبية ومالية قائمة علي احترام قواعدالدستور وثوابته, وتلتزم التزاما صارما بقواعد العدالة والمساواة بمعناها الصحيحوالسليم الذي لا يعترف بالشعارات الجوفاء الفارغة, ويتجاوز التبريرات والسلوكياتغير القويمة التي رافقت مشروع القانون وانتهت بالجميع إلي مأزق كارثي بتوجيهالاتهام للسلطة التشريعية بالمسئولية عن الانحراف بالتشريع بما يخالف الدستوروأحكامه, والتي لا يجوز الخروج عليها قيد أنملة وإلا كان ما لا يحمدعقباه.
ولا يبقي إلا الأمل الحقيقي المعقود عليالرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية لإصدار أوامره وتعليماته الدقيقة والشاملة بوصفه الرئيس الأعلي للسلطة التنفيذية ويتحقق ذلك بأن تتم مراجعة قضية قانونالضريبة العقارية بصورة متكاملة وسليمة عن طريق فريق من الخبراء والمختصين, ومنخارج نطاق دائرة المستشارين المرتبطين بالمصلحة وبالمنفعة بوزارة الماليةوتوابعها, وان يستظل الفريق في عمله بتعليمات واضحة بالاحترام المشدد للدستور نصا وروحا وبالقواعد الضريبية المستقرة والثابتة والراسخة, واعتبار ان ما جري فيقانون الضريبة العقارية وفي قانون ضرائب الدخل من تعديلات وتبديلات, ماهي إلامرحلة طارئة وانتقالية كانت تعكس جوانب من الفكر العالمي للرأسمالية الأصولية, التي كانت تسود في الدول الصناعية الكبري وتغري بالمحاكاة والتقليد في باقي دولالعالم, حتي قادت العالم كله إلي كارثتي الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية في سبتمبر2008, والتي أفاق معها كل العالم علي حقائق جديدة ومتغيرات عاصفة قاسيةومدمرة تؤكد أن ثوابت الأصولية الاقتصادية وفي مقدمتها ثوابت الفلسفات الضريبية لليمين المحافظ الأمريكي القائلة بالإعفاء الضريبي للأغنياء والأثرياء لمساندة تراكم الثروة وضخ المزيد من الاستثمارات وإقامة المزيد من الأعمال لم ينتج عنها إلاطوفان من المضاربات الفاسدة سيئة السمعة, والنتائج كادت تدفع بكل العالم إليالنفق المظلم للكساد العظيم بكل ويلاته وعواصفهودماره.
ويقدم قانون الضريبة العقارية نموذجا صارخا علي فلسفة ضريبية دخيلة وشاذة علي الدولة المصرية المعاصرة, والتي لا تتعارض فقط مع الدستور أبو القوانين ولكنها تتعارض مع ما هو أخطر وأهم, والمرتبط بالعقد الاجتماعي غير المكتوب الذي يحفظ الاستقرار والتوازن في أحلك الظروف وأصعبهابحكم ما يتضمنه من ثوابت وطنية وقومية عليا تشكل خطوطا حمراء تلزم الدولة والمواطن والمجتمع, وتشكل رقيبا علي جميع السلطات والأجهزة والأعمال والمعاملات باعتبارهاحصن الأمان للكافة وللجميع, والذي يلزمهم أول ما يلزمهم باحترام الدستور والحرصعلي عدم تعارض أو تنافر التشريعات مع الدستور, نصا وروحا طالما انه قائم ونافذ, وقد جاء قانون الضريبة العقارية بفلسفته, وبالتالي بأحكامه الواردة في مواده ونصوصه ليقدم نموذجا فاضحا للخروج علي جميع الخطوط الحمراء الحاكمة للدولة وللمجتمع وللمواطن, وكاد يدفع المنظومة الكاملة للوطن إلي فوضي مدمرة, وجاءت كلمات الرئيس لتعطي الأمل الحقيقي في نوبة صحيان تعيد الأمور إلي نصابها الصحيح والقويموتسهم في تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة والدخيلة وتصوب العديد من الممارسات التي اقتحمت الحصون وهددت الركائز بإهمال العدل والعدالة في التشريع الضريبي, والاستخفاف بقواعد المساواة الضريبية ومعانيها وتطبيقاتها في القوانينوالتشريعات.
تشدد يخضع المسكن الخاص.. وتسيب يعفي اصحاب الثروة
ويقدم قانون الضريبة العقارية نموذجا غريبا ومريبا للانحياز الأعمي والصارخ للأكثر دخلا والأكثر ثروة, في الوقت الذي يقدم فيه نموذجا مقيتا ومريضا للانحياز الفج والسافر ضد الأقل ثروة والأقل دخلا, وهو بذلك يتجاوز أسوأ ما قدمته الأصولية الاقتصادية واليمين المحافظ من فلسفات رأسمالية يصفها العالم حاليا بالوحشية والمتوحشة, وهو قانون يفضح نفسه بأنه قانون ضد العدالة بأبسط معانيها وبأعقدها, وهو قانون ضد المساواة بالحد الأدني منمعاييرها, وبالحد الأقصي لقواعدها, وهو بذلك يخرج تماما عن معني التشريع الصحيح, ويدخل تحت مظلة أعمال الحواة التي تصرف الأنظار والأبصار عن حقيقة اللعبة وخباياها وخفاياها, ولكن صانعه ينسي أن السحر دائما ينقلب علي الساحر, ومجرد نظرة واحدة سريعة إلي الإصرار الظالم علي عدم إعفاء المسكن الخاص بالرغم من أنالمسكن حق انساني ودستوري لكل مواطن توفره الدولة الحديثة من مواردها إذا عجزالمواطن عن توفيره من موارده الذاتية, وأيضا بالرغم من أن المسكن الخاص في الغالب الأعم يشكل شقي العمر للإنسان المصري من العمل بالداخل أو الغربة والمرمطة خارجالوطن, بالرغم من كل ذلك فإن وزير المالية رفض من خلال جميع الحيل والألاعيب أن يتمتع المواطن المصري بالعيشة الهادئة والمستقرة في سكنه الخاص الذي لا يحقق منورائه دخلا أو ايرادا ولا يحقق من ورائه ثروة بالبيع والشراء والمتاجرة, فتقرر في القانون أن يحرم المواطن مما استقر عليه الأمر لعقود طويلة بالقانون المتضمن دائماإعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية, بحكم قواعد الدستور الواضحة والصريحة التي لاتجيز فرض الضريبة بجميع صورها وبجميع أشكالها علي رأس المال, بل علي مايدره من دخل وإيراد حتي لا تتآكل رءوس الأموال التي هي الأصول الوطنية التي يعول عليها في التنمية والبناء وضرب عرض الحائط بأحكام المحكمة الدستورية العليا التيحكمت من قبل بعدم دستورية فرض ضريبة علي الأرض الفضاء غير المستغلة بحكم أنها لا تحقق دخلا أو إيرادا لمالكها.
والغريب والمريب أن هذا الوزير العنيد والمتشدد في حرمان المواطن من اعفاء ضريبي لمسكنه الخاص, قد وضع في قانون الضريبة العقارية من الأحكام والقواعد ما يتيح للأغنياء والأثرياء أن يحصلواعلي إعفاء عقاري متكرر بغير نهاية مهما كانت ضخامة الثروة العقارية التي يملكونها, ومهما انتقلت من مرحلة الملكية العقارية المحدودة إلي نظام الاستثمارالعقاري الواسع النطاق, وتفتقت عبقرية الوزير الفذة عن ربط الاعفاء الضريبي بالوحدة العقارية ومنح كل وحدة عقارية بمعني الشقة الواحدة اعفاء سنويا قيمته ستةآلاف جنيه, ويعني ذلك تجزئة شاذة لمفهوم العدالة واجتراء مفضوحا علي قواعد المساواة, فمن يملك شقة واحدة يؤجرها يتمتع بإعفاء ستة آلاف, ومن يملك مائة شقةيؤجرها يتمتع بإعفاء قيمته600 ألف جنيه, ومن يملك ألف شقة يؤجرها يتمتع بإعفاء قيمته ستة ملايين جنيه, وصنع القانون بذلك قاعدة تستعصي علي الشرح والتحليل لتعارضها مع قاعدة المقدرة التكليفية للممول وضرورة تناسب الأعباء الضريبية معها, وهي قاعدة لا تعني علي الاطلاق وفقا لجميع مراجع علم المالية العامة, تصاعد قيمةالاعفاءات مع تصاعد الممتلكات والإيرادات والأرباح والعوائد, وهو ما يعني ليس فقط ان الدستور في اجازة, ولكنه يعني أيضا أن العلم والمعرفة في مصر أم الدنيا والحضارة في اجازة, وان من يملك السلطة والنفوذ يستطيع أن يلغي العلم ويهدر رأي العلماء بغير حسيب أو رقيب.
وما يدفع إلي الانزعاج المخيف أن قانونالضريبة العقارية الذي يغدق الاعفاءات بغير حساب وبدون تبصر ومع سبق الاصرار والترصد, يتفنن في نفس الوقت واللحظة في ملاحقة أصحاب المسكن الخاص وكأن هناك مهمة مقدسة لم تتكشف أسرارها الكاملة بعد لملاحقة أصحاب المسكن الخاص, ومع يقين أساطين الخبرة السوداء بوزارة المالية بأن شرط اعفاء الوحدة العقارية الواحدة من الضريبة طالما أنها لا تحقق دخلا يصل إلي ستة آلاف جنيه سنويا وهي لن تحقق ذلك بحكمان صاحب المسكن الخاص لن يدفع لنفسه ايجارا, فقد تضمن القانون قاعدة تعجيزية تمكنه من أن ينال من هؤلاء الأعداء وقوي الظلام والخديعة التي احتلت مساكنهاالخاصة, فأضاف شرطا ثانيا للتمتع بالإعفاء, وهو أن تقل قيمة الوحدة العقاريةعن500 ألف جنيه, ومع مستويات الأسعار والتضخم وجنون أسعار الأراضي للبناء بالمدن والقري والنجوع والمتغيرات الحادة لتكاليف البناء وما أقره القانون من قاعدة القيمة السوقية للعقار فإن أصحاب المسكن الخاص حتي لو لم يؤجروه لأنفسهم قهراوعدوانا فإنهم سيخضعون لسداد الضريبة العقارية, وكأن الأمر يرتبط بمحاربة وتعقب مبدأ الملكية العقارية للبسطاء وكأنه ملاحقة للمالك الصغير, وكأنه مطاردة لحق منحقوق المواطنة المعاصرة المرتبط بتوفير مسكن ملائم لكل انسان, وهو ما يتضمنها الاعلان العالمي للحقوق الاقتصادية للإنسان الذي يرصد علامات فارقة بين التقدم والتخلف تقاس عليها مراتب الدول في سلم التصنيف العالمي.
الإعفاء الضريبي للأنشطة الزراعية الكبيرة.. وضرورة التصويت العاجل وقمة الريبة والشك يتضحالكثير من معالمها وأبعادها من المواد التي عدلها وبدلها قانون الضريبة العقارية والتي كانت واردة في قانون ضرائب الدخل, لأنها تكشف أن هدف تحقيق الحصيلة الضريبية لا يرتبط إلا بالأقل ثروة ودخلا, وان فلسفة اليمين المحافظ صاحب الأصولية الرأسمالية والمسمي في أمريكا والغرب بصاحب الايديولوجية الأصولية المسيحية الصهيونية, قد تحركت خطوة كبيرة في الواقع المصري بالمزيد من التبجح الاهوج لتقنين اعفاءات ضريبة مفرطة وصادمة لأصحاب الثروة والأغنياء, حيث تم الغاء المادة38 من قانون ضرائب الدخل وبذلك استبعد القانون إيرادات الأراضي الزراعية والنشاط الزراعي من الخضوع للضريبة, ويعني ذلك إعفاء واسع النطاق يستفيد منه بالدرجة الأولي اصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة, حيث إن صغار الملاك الزراعيين كانوا يتمتعون بحدود إعفاء لا تخضعهم لضريبة الدخل, وفي ظل مفهوم تنمية زراعية يرتكز علي الملكية الكبيرة, فإن المستفيد الأول والأخير هم كبار الملاك, وينفيذلك الإعفاء جميع حجج وأحاديث السعي للحصيلة لسد احتياجات الموازنة العامة وتخفيض العجز المتصاعد, ويتعارض هذا التعديل المحير والغريب مع أبسط قواعد العدالة الضريبية ويشكل ردة في مسيرة ضرائب الدخل التي سعت دائما إلي خضوع جميع الأنشطةبغير استثناء في حين ان القانون وبجرة قلم وارضاء لأصحاب المصلحة والنفوذ استثني قطاعا اقتصاديا كاملا هو الزراعة من الخضوع لضريبة الدخل في ظاهرة ضريبية عجيبة ومريبة تضاف الي عجائب الدنيا السبع بلا خجل وبدون حياء.
غرائب وعجائب الإعفاءات غير المبررة للأنشطة الاستثمارية الخاصة
وتصل عجائب وغرائب قانون الضريبة العقارية الي قمة عالية من قمم الريبة والشك تجد مثيلها الوحيد في قوانين المستعمرات والمستعمرين من خلال قائمة الإعفاءات الأخري التي تضمنت المستشفيات والمؤسسات التعليمية, وتضمنت الإعفاءات ايضا المستوصفات والملاجئ والمبرات, وقد فهم خلال مناقشة القانون لإقراره أن المدارس والجامعات الخاصة ستخضع للضريبة, وفهم كذلك أن المستشفيات الاستثمارية والخاصة ستخضع ايضا للضريبة, ولكن اللائحة التنفيذية جاءت بالعجب العجاب التي يفصح عن طبيعة فلسفة القانون والفئات المستفيدة منه, فقد حددت اللائحة التنفيذية ان الاعفاء للمؤسسات التعليمية يرتبط بخضوعها لإشراف وزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي أو الازهر الشريف وليس هناك في الواقع مؤسسة تعليمية عامة أو خاصة لا تخضع لإشراف هذه الجهات بما فيها المدارس والجامعات الاجنبية ومدارس الإرساليات الدينية وغيرها, وكذلك الحال بالنسبة للمستشفيات والمستوصفات والمبرات حيث اشترطت اللائحة أن تكون مرخصا بها من وزارة الصحة وليس هناك نشاط عام أو خاص أو استثماري يمكنه العمل والنشاط إلا بترخيص من وزارة الصحة مما يكشف عن حجم الإعفاءات الضخم والكبير الذي يمنحه هذا القانون بغيرمنطق وبدون سند مما يشكل اهدارا متعمدا للموارد العامة لحساب البعض علي حساب المجتمع والدولة, ولو كان القانون يحرص بالفعل علي الابعاد الاجتماعية والإنسانيةللضريبة العقارية لقرر الاعفاء فقط للمستشفيات والمستوصفات والمبرات والمؤسسات التعليمية التي تقدم خدمة تطوعية مجانية أو شبه مجانية أو بالتكلفة الفعلية للمجتمع ويشرف عليها ويملكها ويديرها جمعيات أهلية من المجتمع المدني, ولا ترتبط بالملكية الخاصة ومفهوم النشاط الخاص الساعي للربح وهو ما دفع وزارة المالية لأن تفرض ضريبةالدخل علي المشروع الصغير والحرفي وعمال اليومية بزعم العدالة وتطبيق قواعد الرأسمالية الصحيحة وما يتضمنه قانون الضريبة العقارية من اعفاءات لا يمكن ان تسمي إلا بالإعفاءات الكيدية مما يعد انحرافا تشريعيا جسيما يضر بالدولة والمجتمع والمواطن ويشكل هدرا متعمدا لموارد الخزانة العامة وهو ما يعد خيانة للأمانة وللمسئولية.
ولا تقتصر فوضي الإعفاءات في قانون الضريبة العقارية علي ذلك بل يصل الأمر الي ان القاعدة التي يتم تسويق القانون اعلاميا علي اساسها والقائلة بأن الوحدات العقارية التي تقل قيمتها عن500 ألف جنيه معفاة ولا تخضع للضريبة تعد قاعدة غير صحيحة دائما عند التطبيق, لأن أي وحدة عقارية مهما كانت قيمتها حتي لو كانت قيمتها خمسين الفا وتؤجر سنويا بأكثر من ستة آلاف جنيه سيتم خضوعها للضريبة, لأن شرطا من شروط الاعفاء لم يتحقق مما يدفع الي منازعات وصراعات لا أول لها ولا آخر بين الممولين ومصلحة الضرائب العقارية وهو ما يعكس التداخل في القانون بين مفهومين مختلفين لفرض الضريبة حيث يتبني القانون مفهوم فر ض الضريبة علي الدخل ويتبني في نفس الوقت مفهوم فرضها علي قيمة العقار خلاف الحكم المحكمة الدستورية العليا التي أكدت انه من أهم مبادئ الضريبة انها تفرض علي الدخل ولا تفرض علي رأس المال الا بصورة استثنائية حتي لا يتآكل رأس المال.
وحتي لا تضيع فرصة حقيقية للإصلاح الضريبي الشامل فإن تخليص قانون الضريبة العقارية من الاخطاء الجسيمة والفادحة يشكلخطوة مهمة لتأكيد احترام الدستور والقانون واحترام قواعد العدالة والمساواة وإعادة تأكيد الالتزام بثوابت العقد الاجتماعي وعدم تجاوز خطوطه الحمراء, وفي نفس الوقت واللحظة اعادة الاعتبار لحقوق الخزانة العامة للدولة لدي جميع فئات المجتمع وتأكيد توزيع الأعباء العامة بين المواطنين بما يتناسب مع ثرواتهم ودخولهم وعوائدهم في كل الأنشطة والمجالات مع مراعاة الأقل دخلا والأكثر احتياجا وفقا لقواعد العدالة الضريبية المستقرة عالمية.
وفي ظل الأزمة العالمية الكارثية والمراجعات العاصفة للأصولية الرأسمالية وما نجم عنها من انحراف وفساد وعبث بمصائرالدول والأمم والشعوب وفي مقدمتها الدول الصناعية الكبري فإن عودة عقارب الساعة فيأعتي هذه الدول محافظة وأصولية مثل بريطانيا وامريكا, واقرار سياسات جديدة للتصاعد الضريبي ترفع اسعار الضريبة علي الأكثر دخلا والأكثر ثروة مع زيادة قيمة الاعفاءات الضريبية الأساسية يحتم ان تعيد مصر تقييم توجهاتها الاقتصادية والمالية والنقدية والضريبية بما يتلاءم مع توجهات العالم وتصوراته وتصميماته بشكل عاجل, ولا يستقيم الحال مع سعر ضريبي يصل في حده الأقصي الي20% ويصل في التنفيذ الحقيقيالي 15% وأقل من ذلك كثيرا في بعض التحليلات والدراسات, في الوقت الذي تتصاعد فيه نفقات الموازنة العامة ويرتفع العجز ولا تزيد الإيرادات العامة وفي مقدمتهاالضرائب بنفس المعدل.
ويستحيل ان يلطم وزير المالية الخدود بغير حق لاحتياج الموازنة العامة للكثير من الأموال الضخمة لتلبية الاحتياجات العامة الكبيرة, ويستمر في نفس الوقت في إعفاء توزيعات الأرباح علي ملاك الشركاتواصحابها من الضريبة, وهي تبلغ للبعض مئات الملايين وللبعض الآخر مليارات الجنيهات ثم نبكي علي شح الموارد وقلتها, ومجرد نظرة تقييمية علي توزيعات الأرباح لأصحاب رأس المال المعفاة من ضريبة الدخل وفقا للفلسفة الضريبية الغريبة والشاذة والبعيدة تماما عن ظروف الواقع واحتياجاته تكشف عن حجم الهدر الكبير والضخم بالقانون الضريبي لإيرادات هي حق للخزانة العامة وحق للتنمية وضرورة لتلبية طموحاتها المشروعة التي تأخرت كثيرا.
لابد من مراجعة دقيقة لاستراتيجية التنمية بجميع عناصرها ومشتملاتها وقطاعاتها, ولا بديل عن مراجعة شاملة لتوجهات وسياسات التنمية وتشريعاتها المالية والاقتصادية بما يصب في خانةالتنمية الشاملة والتنمية المستدامة التي تسعي للارتقاء بمستوي معيشة المواطن, وتوفير الخدمات العامة بجودة عالية والاهتمام المكثف بتوفير فرص العمل وتأهيل الثروة البشرية لرفع إنتاجيتها وكفاءتها ومهاراتها بما يواكب احتياجات سوق العمل,وبغير هذه الإجراءات الجذرية لا يمكن صناعة المستقبل المستقر والأمن المزدهر؟!
الأهرام 30/1/2010