أ- التعريف بهما:
المكي: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة.
والمدني: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة.
ب- خصائص القرآن المكي والمدني:
يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع.
فالغالب في المكي قوة الأسلوب وشدة الخطاب، لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون، والغالب في المدني لين الأسلوب وسهولة الخطاب، لأن غالب المخاطبين مُقْبلون منقادون.
وكذلك يغلب في المكي قصر الآيات وقوة المحاجة، لأن غالب المخاطبين معاندون فخوطبوا بما تقتضيه حالهم، والغالب في المدني طول الآيات وذكر الأحكام مطلقة دون محاجة لأن حالهم تقتضي ذلك.
ويكثر في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة، لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك، والغالب في المدني تفصيل العبادات والمعاملات، لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات .
ويمتاز القرآن المدني بالإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه، والمنافقين وأحوالهم، لاقتضاء الحال ذلك، حيث شرع الجهاد وظهر النفاق، بخلاف القسم المكي فلم يتعرض لذلك.
ج- فوائد معرفة المكي والمدني:
1. ظهور بلاغة القرآن في أعلى مراتبها، حيث يخاطب كل قوم بما تقتضيه حالهم من قوة وشدة، أولين وسهولة.
2. ظهور حكمة التشريع في أسمى غاياته، حيث يتدرج شيئاً فشيئاً بحسب ما تقتضيه حال المخاطبين واستعدادهم للقبول والتنفيذ.
3. تربية الدعاة إلى الله تعالى، وتوجيههم إلى أن يتبعوا ما سلكه القرآن في الأسلوب والموضوع من حيث المخاطبين، بحيث يبدأ بالأهم فالأهم، وتستعمل الشدة في موضعها والسهولة في موضعها.
4. تمييز الناسخ من المنسوخ فيما لو وردت آيتان مكية ومدنية يتحقق فيهما شروط النسخ، فإن المدنية ناسخة للمكية لتأخرها عنها.
د- الحكمة من نزول القرآن منجماً:
لنزول القرآن الكريم مفرقاً على مدى ثلاث وعشرين سنة حكم كثيرة، منها:
1. تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا } [الفرقان: 32-33].
2. تسهيل حفظه وفهمه والعمل به على الناس، حيث يقرأ عليهم شيئاً فشيئاً، كما قال تعالى: {وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } [الإسراء: 106].
3. تنشيط الهمم لقبول ما نزل من القرآن وتنفيذه، حيث يتشوق الناس بلهف وشوق إلى نزول الآية، لا سيما عند اشتداد الحاجة إليها كما في آيات الإفك واللعان.
4. التدرج في التشريع حتى يصل إلى درجة الكمال، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه وألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يُجَابَهوا بالمنع منه منعاً باتاً، فنزل أولاً قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } [البقرة: 219]. فكان فيه تهيئة للنفوس بتركه لكون المفاسد فيه أكبر من المنافع، ثم نزل ثانياً قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } [النساء: 43]. فأمروا بتركه في بعض الأوقات، ثم نزل ثالثاً قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } [المائدة: 90]. فكان المنع من الخمر منعاً باتاً.
القراء السبعة الذين أجمعت الأمة على تواتر قراءاتهم هم:
أ- أبو عمرو بن العلاء البصري: وهو زبان بن العلاء بن عمار المازني البصري، اشتهر بكنيته، وهو إمام القراءة بالبصرة، توفي سنة 154هـ.
وراوياه هما:
1. الدوري: هو حفص بن عمر الدوري النحوي البغدادي توفي سنة 246هـ.
2. السوسي: وهو صالح بن زياد السوسي، توفي سنة 261هـ.
ب- ابن كثير المكي: هو عبد الله بن كثير المكي التابعي، إمام أهل مكة في القراءة، توفي سنة 120هـ.
وراوياه هما:
1. البزي: هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المؤذن، توفي سنة 250هـ.
2. قنبل: هو محمد بن عبد الرحمن بن خالد المكي، وقنبل لقبه، توفي سنة 291هـ.
ج- نافع المدني: هو نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، توفي بالمدينة سنة 169هـ.
وراوياه هما:
1. قالون: هو عيسى بن مينا، وقالون لقبه، مات سنة 220هـ.
2. ورش: هو عثمان بن سعيد المصري، وورش لقبه، مات سنة 197هـ.
د- ابن عامر الشامي: هوعبد الله بن عامر اليحصبي القاضي التابعي، توفي سنة 118هـ.
وراوياه هما:
1. هشام: هو هشام بن عمار الدمشقي المتوفي في سنة 245هـ.
2. ابن ذكوان: هو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان الدمشقي، المتوفى سنة 242هـ.
هـ- عاصم الكوفي: هو عاصم بن أبي النجود التابعي، المتوفى سنة 128هـ.
وراوياه هما:
1. شعبة: هو أبوبكر شعبة بن عباس بن سالم الكوفي، مات سنة 193هـ.
2. حفص: حفص بن سليمان بن المغيرة البزاز الكوفي، مات سنة 180هـ.
و- حمزة الكوفي: هو حمزة بن حبيب بن عمارة الزيات الفرضي، توفي سنة 156هـ.
وراوياه هما:
1. خلف: هو خلف بن هشام البزاز البغدادي، توفي سنة 229هـ.
2. خلاد: هو خلاد بن خالد الصيرفي الكوفي، توفي سنة 220هـ.
ز- الكسائي الكوفي: هو علي بن حمزة الكسائي النحوي، توفي سنة 189هـ.
وراوياه هما:
1. أبو الحارث: هو الليث بن خالد البغدادي، المتوفي سنة 240هـ.
2. حفص الدوري: هو الراوي عن أبي عمرو البصري السابق.
أ- تعريف المعجزة:
- العجز: نقيض الحزم، وعجز عن الأمر: إذا قصر عنه.
- والمعجزة: أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم من المعارضة ظهره الله على يد رسله.
ب- القرآن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم الكبرى :
جعل الله سبحانه وتعالى معجزة رسول الله صلى الله عليه وسلم متميزة عن سائر معجزات الأنبياء السابقين لحكم جليلة ندرك بعضها، ومن ذلك:
1. مواءمة طبيعة الرسالة: فإن الأنبياء السابقين كانوا يبعثون إلى أمم خاصة وقبائل خاصة ولفترة زمنية محدودة، بخلاف خاتم الرسل فإنه بُعث إلى الناس كافة، فناسب أن تكون معجزاته ثابتة دائمة لا تنتهي بوفاة الرسول، بل تبقى حجة على الأجيال اللاحقة إلى قيام الساعة.
2. كون القرآن الكريم المعجزة الخالدة: فالقرآن الكريم هو المعجزة، وهو مصدر أحكام الشريعة في آن واحدٍ، فآية تصديق الرسالة في الرسالة نفسها، وليس في معجزات الأنبياء السابقين ما يستنبط منها حكم تشريعي.
ج- وجوه الإعجاز القرآني:
ذكر العلماء وجوهاً كثيرة للإعجاز القرآني، وأهمها أربعة:
1. الإعجاز البياني:
- لو استعرضنا آيات القرآن الكريم من أول سورة الفاتحة إلى سورة الناس، لوجدنا كل آية قد تحققت فيها الفصاحة والبلاغة في أبهى صورهما، ولهذا كان بيانه معجزاً، أعجز الثقلين أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، فكان المعجزة الخالدة المستمرة إلى يوم القيامة، والحجة القاهرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
2. الإعجاز التشريعي:
- إن التشريعات الإسلامية التي نظمت شؤون الإنسان والحياة، وربطت الدنيا بالآخرة، جمعت بين الروح والمادة، فأشبعت كلاًّ منهما في الإنسان بما يناسبها، ووفّرت السعادة والطمأنينة في الحياة الدنيا، وأزالت القلق عن النفوس من المستقبل، مع مراعاة الفطرة وتلاؤمها معها، لدليل على أن أحداً من البشر لا يستطيع أن يدرك هذه المجالات أو يحيط بها، وهي برهان ساطع على أنها منزَّلة من خالق الإنسان العالم بقدراته واستعداداته.
3. الإعجاز الغيبي:
- يدخل في الإعجاز الغيبي كل ما أخبر عنه القرآن الكريم من حوادث ماضية لم يشهدها النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذا ما تحدث عنه القرآن منذ نشأة الكون، وما وقع منذ خلق آدم عليه السلام إلى مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذا ما تضمنه من الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان.
- وفي اشتمال القرآن الكريم على ذلك كله، وإخباره عنه، وتصديق الوقائع لما جاء في القرآن وعدم تخلّفه، ولو في جزئية بسيطة، لدليل على أنه وحي ممن خلق الأرض والسماوات العلى، وأنزله على رسوله ليكون دلالة على صدقه {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً } [النساء: 82].
4. الإعجاز العلمي:
- إن الإشارات التي وردت في ثنايا آيات الذكر الحكيم تتحدث عن بديع صنع الخالق سبحانه وتعالى في هذا الكون الفسيح في مختلف مجالاته، وتتحدث عن النفس الإنسانية وأعماقها وعواطفها ومشاعرها والبشرية كلها عاجزة عن الإحاطة بهذه الحقائق والوصول إلى ماهيتَها وأسرارها، فهل يعقل أن يكون هذا القرآن من عند رجل أميّ عاش في بيئة أمية لم يذكر التاريخ عن أسلافها تقدّما في فنون علوم الكون أو النفس البشرية {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون * بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتو العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون } [العنكبوت: 48-49].
من صور التعبد الفعلي بالقرآن الكريم تنزيل مفاهيمه على الحياة العملية وتتبع أبعاده في الواقع المعاش بكيفية إيجابية تجمع بين التماثل النموذجي والمعالجة الذكية المفعمة بالفقه العميق للمفاهيم والمصطلحات في حديها القرآني والواقعي، فليس من التعبد بكتاب الله الوقوف على قصصه وأشخاصه ووقائعه وتعبيراته وكأنها تجسد تاريخاً معيناً فحسب، فهذه الرؤية الماضوية لا تتناسب مع خلود القرآن وكونه دستوراً لكل الأزمنة وإنما يجب استحضار تلك القصص وأولئك الأشخاص وتلك الوقائع والتعبيرات باعتبارها نماذج وحقائق تستوعب الزمان والمكان قد يحجبها عن النظرة السطحية تغير الأسماء أو الأشكال بيد أن جوهرها باق على حاله لا يخفى على الناقد البصير …وإدراك هذه "المعاصرة"القرآنية لا يحتاج إلى التكلف والتأويل البعيد ولا الوقوف عند ظواهرها ورسومها وإنما يحتاج إلى التدبر المنهجي ولعل هذا هو المعنى الذي يشير إليه قول الله تعالى"وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون"، فكل الناس يقرؤون المثال أو يرونه لكن أصحاب العلم هم وحدهم الذين يتعاملون معه التعامل الإيجابي المثمر.
ولبيان ما سبق نعمد إلى انتقاء بعض الأمثلة على مستوى الأشخاص والمفاهيم والرموز الواردة في كتاب الله:
على مستوى الأشخاص:
1_ ذو القرنين: سجل القرآن لهذا الرجل ثلاث رحلات: إلى المغرب والمشرق والوسط يجمع بينها مقصد نبيل هو دعم الخير ومواجهة الشر:-"قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً(87)وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً(88)" –سورة الكهف-
-"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً(94) قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بيننا وبينكم ردما" –سورة الكهف-
فذو القرنين-وهو من غير شك شخص عاش في زمن معين ومكان معين ومات في أجل معين-رمز لصاحب القوة والتمكين الذي سخر قوته وتمكينه في الإصلاح وخدمة الدين والبشر، إنه-خلافاً لأكثر الحكام الأقوياء-لم يغتر بأسباب القدرة الكثيرة التي توفرت لديه من جيوش وعلماء وخبرة ذاتية، فلم تمل به إلى الطغيان بل بقي مصلحاً وعلى صلة دائمة بالعبودية لله تعالى:-"إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً(84)" –سورة الكهف-
-"قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً(98)" –سورة الكهف-
هذا الفاتح المؤمن قدوة لأصحاب المنهج الصالح الذين يستخدمون قدرتهم السياسية والعسكرية والإقتصادية والإعلامية في مقاومة الفساد ونصرة الضعفاء وهم غير طامعين في أموال الشعوب الضعيفة:"قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة"
2_ فرعون: هذا الذي تكرر ذكره في القرآن هل هو فقط ذلك الملك الجبار الذي كانت له مع نبي الله موسى مجادلات ومنازلات؟ هل تكرر ذكره في القرآن لأنه شخص كان له دور معين في قصة معينة؟ هذه السطحية تتنافى مع منهجية الوحي، وفرعون إذاً-وهو بالفعل إنسان له دور في أحداث تاريخية- يرمز إلى الإستبداد السياسي ومنطقه هو منطق المستبدين جميعاً: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"- "إني أخاف أن يبدل (موسى الداعية المصلح) دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد"-"فأرسل فرعون في المدائن حاشرين* إنَّ هؤلاء لشرذمة قليلون"-سورة الشعراء-
فاستحضار النموذج الفرعوني بغطرسته ومنطقه أمر ضروري لفهم الإستبداد وحسن التعامل معه بالكيفية التي تحجم فساده.
3_ قارون: تبين سورة القصص بوضوح كيف أن الرجل كان فتنة لمجتمعه بسبب تصرفه الظالم في المال"إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة"،هذا البغي بالثروة قابله عقلاء المجتمع بالنصح"وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض"، لقد طالبوه بالعدالة الإجتماعية وإدالة المال بين الأيدي باعتبار الإستئثار به فساداً أي ظلماً اجتماعياً، لكنه تمسك بالأنانية والشح والاستكبار"قال إنما أوتيته على علم عندي" ولم يكتف بالقول بل فتنهم بالفعل"فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا(وهم الجماهير)يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم".
على مستوى المفاهيم:
1_ التطفيف الاجتماعي:"ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون" هل من المنطق قصر هذا التطفيف على ما يفعله بعض التجار الجشعين في الكيل والميزان؟ إن نبي الله شعيباً بُعث لمحاربة التطفيف فهل يعقل أن رسالته اقتصرت على تقويم هذا السلوك التجاري وحده؟ ألم يقل لقومه"ولا تبخسوا الناس أشياءهم"…إن أبشع أنواع التطفيف اشتراط مثاليات حالمة في الغير والسماح بتفريط شديد في الذات، والله تعالى عندما قال: "وأقيموا الوزن بالقسط" إنما يريد أن نتجنب التطفيف مهما كانت صوره، وأن نعدل في الحكم على الذات وعلى الغير والوقائع والأفعال.
2_ شياطين الإنس: في تقديم الله تعالى ذكر شياطين الإنس على شياطين الجن في آية الأنعام إيحاء بخطورتهم "شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً"، وحصر كثير من المفسرين الأمر في المجال الأخلاقي وسعي بعض الناس في إفساد علاقات المحبة والتآلف، لكننا نرى في العصر الحديث أن تجار الأسلحة طبقة جديدة من شياطين الإنس تسعى حثيثاً في زرع الفتائل وإيقاد النيران وتأجيجها والحيلولة دون إخمادها حفاظاً على مصالحهم المادية، فهل ننتبه إلى خطورة هؤلاء الشياطين ونتبع في القرآن صفاتهم وخصائصهم ليكون لنا وعي بإفسادهم وخطط مدروسة لإبطال كيدهم؟ ومثلهم أصحاب الفضائيات الماجنة والصحف الخليعة وكل "الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا "
على مستوى الرموز:
1_ المحراب: هو المكان البعيد عن الضوضاء الذي يتخذ للعكوف على عبادة الله سواءً كان مسجداً أو غرفة أو نحو ذلك، فهو يرمز إلى العكوف الجدي الذي يؤتي ثماره "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً"-سورة آل عمران37-، فعكوف مريم الجدي جلب لها الرزق بطريقة إعجازية، "فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحي"، هنا اقترن التبشير بالولد "المعجزة" بعكوف زكريا الجاد، وإذاً فالعكوف المستحضر للقوى العقلية والقلبية والجارحية يأتي بالمعجزات بإذن الله، والأمر لا يختلف إذا نقلناه من محراب الصلاة إلى محراب البحث العلمي، فالصلاة ارتباط القلب بالملأ الأعلى وحقائقه وأسراره والبحث العلمي ارتباط العقل بكون الله الفسيح وحقائقه وأسراره، والمحراب مقدس هنا هناك لأنه تجاوب مع الآيات المتلوة والآيات المجلوة، وعندما يفهم المسلم هذا الرمز فإنه يسعى إلى الاعتكاف في المحرابين معاً في تناغم يتناسب مع توحيد الله وأداء واجبات الخلافة.
2_ المغضوب عليهم والضالين: تقول التفاسير القديمة هم اليهود والنصارى، ولا اعتراض لنا على ذلك لكن نسأل: لماذا اليهود والنصارى؟ هل لذواتهم أم لخصائص فيهم؟ هذا هو بيت القصيد.
إن عبارة"المغضوب عليهم" ترمز إلى كل من عرف الحق ورفضه، وترمز عبارة "الضالين" إلى كل من طلب الحق لكنه لم يسلك طريقه، والعبارتان تنسحبان إذاً على كل من تتوفر فيهم هذه الصفات قديماً وإلى قيام الساعة، والاستقامة التي ينشدها المسلم "اهدنا الصراط المستقيم" لا تنال بمجرد التبرؤ من اليهود والنصارى وإنما بالمراقبة الدائمة والحذر من الاتصاف بأوصافهم "الغضب الإلهي والضلال"، وكم في المسلمين من يلعن اليهود وهو متنكب لطريق الحق بعد أن عرفه مثل ما حدث لبني إسرائيل تماماً، فيهم من يدين المسيحيين واجتهاده لا يقوده إلا إلى نوع من أنواع الضلال الذي وقعوا فيه، فهم عبدوا المسيح ولعل هذا المسلم خرم التوحيد وابتدع في العبادة وزيف الأخلاق فاستحق مثلهم وصف بالضلال.
هذه طريقة مقترحة للتعامل مع كتاب الله تساعد على إبقائه حياً غضاً طرياً كما تساعد على فهم المشكلات المطروحة على مستوى الأشخاص والمفاهيم والرموز، والفهم هو الخطوة الأولى الحاسمة في طريق الحل والتوفيق والبناء.
بسم الله الرحمن الرحيم
وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً
[الأحزاب : 35]
اللهم أغفر لكى و للمسلمين
و جعلنا الله من الذاكرين الشاكرين الحامدين الطائعين
و الحق يقال
موضوع متميز جداً
و فى أنتظار المزيد
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
حمل
أسباب النزول وبهامشه الناسخ والمنسوخ
علي بن أحمد الواحدي النيسابوري أبو الحسن
هبة الله بن سلامة أبو النصر أبو القاسم
على الرابط http://s203995553.onlinehome.us/waqf.../109/anhnm.rar
و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته