الفصلالثالث المبحث الثاني في التكييف القانوني لخطابات الضمان
منالواضح أن تفسير التزام المصرف في مواجهة المستفيد هو موطن الصعوبة بمكان ، و إنكان سند الالتزام هو خطاب الضمان ذاته الذي بيد المستفيد.
ذلك أن التزام المصرففي مواجهة المستفيد التزام مستقل عن العملية التي بشأنها صدر خطاب الضمان كما أنالضمان لا يستند إلى أي اتفاق أو عقد سابق بين المصرف و بين الآمر والمستفيد.
لذلك تعددت الآراء في التكييف القانوني لخطاب الضمان.
يذهب خالدكعوان إلى تكيّيف خطاب الضمان على أساس الإنابة في القانون المدني المادة 347 ولكنه يرى أنه ذو طبيعة خاصة.
و نرى أن هذا التكييّف محل نظر ذلك و إن تطابقمفهوم الإنابة مع خطاب الضمان من حيث التعريف إلا ان في الإنابة وفقاً لنص المادة347/1 مدني ليبي تقتضي اتفاق المتعاقدون أي الأطراف الثلاثة أي المنيب و المنابوالمناب لديه و هذا لا يتصور في خطاب الضمان.
و ذهب بعض الفقهاء المصريين إلىرأي كانت تبنته الجهات الحكومية إلى اعتبار خطاب الضمان كفالة مصرفية ثم ادركت تلكالجهات أنها قد وقعت في خطأ جسيم بهذا التكيّيف حيث أفتت اللجنة القانونية لاتحادالبنوك إلى اعتبار أن خطاب الضمان كفالة من نوع خاص، و هذا التكيّيف أيضاً منتقدبمثل النقد الذي يوجه إلى اعتبار خطاب الضمان شبيه بعقد الكفالة.
لأن الكفيل فيعقد الكفالة يلتزم بما يلتزم به المدين إذا لم يف المدين بالالتزام ، و لو صح هذاالتكيّيف لقيل في خطابات الضمان إذا تقاعس المقاول و هو الآمر في خطاب الضمان عنتنفيذ ما التزم به بإمكان المستفيد في خطاب الضمان ، و هو دائن الآمر أن يلزمالمصرف باعتباره كفيلاً بالتنفيذ العيني. و هذا ليس بالإمكان لأن المصرف لا يلتزمبالتنفيذ العيني كما أن التزامه محدد في صلب خطاب الضمان بدفع قيمة الخطاب عندالمطالبة به في خلال سريانه إذا طلب المستفيد ذلك.
كما توجد عدة فوارق فيالتكيّيف بين عقدي الكفالة في القانون المدني و خطاب الضمان نوجزها فيالآتي:
فالكفالة في الأصل من عقود التبرع خلافاً لخطاب الضمان الذي يعد عملاًتجارياً حيث يحصل المصرف عند إصداره على عمولته ، و مصاريف أتعابه و خدماتهبالإضافة إلى حجز مبلغ نقدي في حدود ربع قيمته عادة في حساب المصرف تحت بند احتياطيخطابات الضمان.
و مما يدل على أن خطاب الضمان ليس بعقد كفالة انه في الكفالةالدائن عليه أولاً مطالبة المدين ، و تجريده فإذا لم يتمكن من الحصول على دينه فإنهيرجع على الكفيل بسبب عقد الكفالة. أما إذا تبّين أن الدائن طالب الكفيل قبل المدينفإنه و الحالة هذه فإن الكفيل يمتنع عن الوفاء بحجة قانونية في صالحة لا شك ، و هيعلى الدائن أن يجرد مدينه أولاً أو على الأقل عليه أن يثبت انه اتخذ هذا الإجراء وطالب المدين و تبيّن أنه معسر بعد ذلك يحق له الرجوع على الكفيل.
أما في خطابالضمان فإن الأمر يختلف إذ أنه إذا طالب المستفيد المصرف بالتسييل قبل انتهاءصلاحية خطاب الضمان فليس للمصرف حق الرفض أو الادعاء بالرجوع على المضمون الآمرقياساً على عقد الكفالة التمسك بقاعدة التجريد.
أما في خطاب الضمان فإنه لا يجوزأن يطلب المصرف الاتصال بعميله لضرورة أخذ موافقته ، و لا يسمع منه هذا القول إذاما تفوه به لأنه في صلب خطاب الضمان ذاته : يتعهد المصرف صراحة بالدفع عند أول طلبكتابي خلال مدة سريان خطاب الضمان دون أي معارضه من الآمر.
أي أن الأمر ليسمتروكاً لمشيئة الآمر ، و لا لمشيئة المصرف بأن يتحلل كل واحد منهما من التزامهبخلق حجج و أعذار واهية لا سند لها.
كما يختلف خطاب الضمان عن عقد الكفالة في أنالأول الالتزام فيه محدد بفترة زمنية مذكورة في متن خطاب الضمان ، و أن المستفيديستوجب عليه المطالبة بالتسييل في خلال تلك المدة.
أما في عقد الكفالة فلا توجدفترة زمنية محددة ينقضي بمضيها الالتزام كما هو الحال في خطاب الضمان ، و ما علىالدائن إلا أن يطالب مدينه بالدفع فإن تيسر ذلك فبها ، و إلا فإنه يرجع على الكفيلإذا لم يستوف دينه.
و هناك من الكتّاب من يرى في تكيّيف خطاب الضمان بأنهعقد معاوضة إلا أن هذا التكيّيف في اعتقادنا محل نظر ذلك أن خطاب الضمان منذ اصدارهيترتب عليه حقاً للمستفيد للمطالبة بالتسييل في أي وقت خلال فترة سريانه فإذا قلناأنه عقد معاوضة فما المقابل الذي يحصل عليه المصرف من المستفيد؟ إذ أنه في بعضالأحيان قد يتعرض لخسارة بسبب أن الضمانات التي قدمت له من الآمر غير كافية أو تبّنأن قيمتها تقل بكثير ، و لهذا فإن ما يحصل عليه المصرف من الآمر لا يساوي بأي حالقيمة خطاب الضمان العمولة + التامين النقدي وهي في الغالب 25% من قيمة خطابالضمان.
و هناك من يرى أن خطاب الضمان يكّيف على انه عقد تعهد عن الغير .ولكن خطاب الضمان يختلف عن عقد التعهد عن الغير ، و الذي مثاله أن يتعهد أ أمامب بأن يجعل ج يلتزم بالتزام ما لصالح ب و هذه الصورة تختلف تماماً عن خطابالضمان إذ لا يمكن اعتبار المصرف حين أصدر خطاب الضمان أنه قد تعهد أمام المستفيدبأن يجعل الآمر يلتزم بأداء المبلغ المحدد في خطاب الضمان إلى المستفيد في حالةإخلاله بالتزاماته.
بل الصحيح أن المصرف قد تعهد عن نفسه بدفع المبلغ المذكور فيخطاب الضمان و عند أول طلب يصل إليه في خلال سريان الضمان من المستفيد نفسه عندمايشعر المستفيد أن الآمر قد أخل بالتزاماته أو لا يمكنه الإيفاء بها.
و القانونالمدني يجعل الجزاء على عدم التزام الغير بموضوع التعهد هو التزام المتعهد عن الغيرو يجوز له كصورة من صور التعويض أن ينفذ هذا الالتزام بنفسه .
ذلك أن المتعهدعن الغير في الحقيقة ليس بكفيل و لا ضمان لأنه قد التزم بصفة أصيلة بأن يجعل الغيريلتزم بأمر ما – وهو ليس في مقدوره في بعض الأحيان و بالتزامه هذا فإنه في الواقعلا يستطيع أن يلزم الغير بشئ .و المتعهد عن الغير إذ يقوم بهذا الالتزام كتعويضإنما ينفذ التزاماً قد تعهد به كفضولي في اعتقادنا ، و مثل هذا الأمر غير جائز فيخطاب الضمان إذ لا يجوز للمصرف أن يمتنع عن دفع قيمة خطاب الضمان ليقوم هو بتنفيذالالتزام الذي الزم به الآمر بل لا يحق للمصرف أن يعترض أو يناقش الأسباب التي دعتالمستفيد أن يطالب بالتسييل.
و يذهب البعض إلى أن خطاب الضمان يكيّف مع أساسالاشتراط لمصلحة الغير و هذا الرأي و إن كان ينسجم من حيث الشكل مع خطاب الضمانبثلاثية الأطراف: المشترط ، و المشترط إليه، و المتعهد في الاشتراط لمصلحة الغير ،والذي يقابله في خطاب الضمان ثلاثة أطراف أيضاً الآمر ، و المستفيد ،والمصرف.
إلا أن هذا الرأي لا يسلم من النقد الذي نوجزه في الآتي:
أن المشترطدائماً يبقى مديناً للمتعهد إلى أن يفي بالتزامه في حين أن المستفيد في خطاب الضمانأحياناً قد لا يحصل على شئ أما لعدم المطالبة عندما يفي الآمر بالتزاماته على الوجهالمطلوب أو أن المستفيد قد تأخر في مطالبته المصرف بعدم فوات الأوان أي بعد مضيالتاريخ المحدد لسريان خطاب الضمان.
المنتفع في الاشتراط لمصلحة الغير قد يكونغير معيناً بالذات ، وقت التعاقد كما هو الحال في التأمين لحساب من سيكون مالكاًللشيء المؤمن عليه أو انه غير موجود فعلاً أو أنه سيوجد في المستقبل كما أشار إلىذلك القانون التجاري الكويتي في المادة 153 بقوله" يجوز في الاشتراط لمصلحة الغيرأن يكون المنتفع شخصاً مستقبلاً أو جهة مستقبلة".
أما في خطاب الضمان فهو محدد ،و معين بالذات في متن خطاب الضمان ذاته.