مشاركة: اللهم بلغنا رمضان
نويت الصيام في رمضان
]
بقلم: عبد الله الحامد
اللهم أهلَّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، هي أيامٌ معدوداتٌ تمضي أسرع من البرق.. أيام نكون فيها على موعد مع طاعة الله في شهر القرآن ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: من الآية 185)، فهل نويت صوم رمضان هذا العام؟! وهل نويت صيام الشهر كله؟! وهل عقدت العزم على ذلك؟!
سؤال يعتقد الجميع أنه بسيطٌ، وأن إجابته بسيطة أيضًا، وربما يتعجَّب البعض من كيفية وصيغة السؤال، ولكني أحببت أن أقف وقفاتٍ تربويةً من زاوية مختلفة، وأحب أن تقف أخي المسلم معي تلك الوقفات التربوية حول نية صيام شهر رمضان، فافتح قلبك وعقلك لتلك الوقفات، واستحضر ما قاله ابن القيم عن صيام رمضان؛ "فهو لجام المتَّقين، وجُنَّة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقرَّبين، وهو لربِّ العالمين من بين سائر الأعمال، فإنَّ الصائم لا يفعل شيئًا، وإنَّما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذُّذاتها إيثارًا لمحبَّة الله ومرضاته، وهو سرٌّ بين العبد وربه، لا يطَّلع عليه سواه، والعباد قد يطَّلعون منه على ترك المفطرات الظاهرة، وأمَّا كونه ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل معبوده؛ فهو أمر لا يطَّلع عليه بشر، وذلك حقيقة الصوم".
من هنا نبدأ
هي وقفة قبل البدء نريد أن نستشعر ما أراده الحبيب صلى الله عليه وسلم بقوله: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" ولذلك فإن نقطة البدء حدَّدها لنا صلى الله عليه وسلم وهو يضع أهم قاعدة يقوم عليها عمل المسلم بقوله: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى"، وهذه هي نقطة الانطلاق في حياة المسلم، فهو لا يؤدي عملاً دنيويًّا كان أم أخرويًّا من قول أو فعل أو جهاد إلا وهو يقصد به وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته، من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، لا ينتظر محمدةً من الناس ولا ثناءً منهم عليه، ولا يخاف لومهم وذمهم وعتابهم له، بل يريد الله والجنة، ومن أجل ذلك كانت نية المؤمن خيرًا من عمله، ويبلغ العبد بنيته ما لا يبلغه بعمله، ونية الخير باقية أبدًا لا تتوقف وإن توقف العمل، وقاصد الخير يثاب بنيته وإن لم يُصِبْ المراد، والنيات تحوِّل العادات إلى عبادات ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ (الكهف: من الآية 110).
ماذا أنت فاعل؟!
لقد أقبل علينا شهر التوبة والرحمة، شهر الإحسان والزهد، شهر الخيرات والبركات، تُرى ماذا أنت فاعل في رمضان؟ أتكون من المقبلين التائبين؟ أتكون من الطائعين الخاشعين؟ أتكون من الذاكرين الله آناء الليل وأطراف النهار والمستغفرين بالأسحار؟ أتكون من القائمين بالليل والناس نيام؟ أتكون من الزاهدين قاطعي النفس عن التلذذ بالمشتهيات؟!.. أم تكون من القانعين بعملهم؟ أم تكون من المكتفين بصيام العوام؟ أم تكون من السالكين درب الدعة والراحة في شهر الجد؟! وحبيبك يقول: "لا يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة"، فلا منتهى لفعل المؤمن في الطاعة والعبادة لله، ولا منتهى لطمعه في الخير حتى ينال حب الله وفي الحديث القدسي خير حافز "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه".
معذرة ولكن
يتساءل الكثير من المسلمين لماذا يدخل رمضان ويخرج ولا تتحقق فيه التقوى المذكورة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة)، ونجد البعض الآخر يشكو أن قلبه لا يخشع في مجالس الذكر، ولا يبكي لما يبكي له غيره، بالرغم من أنهم صاموا الشهر كله، وأنهم توقفوا عن الأكل والشرب والجماع من الفجر إلى المغرب.. إنه حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم: "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش".
من أجل ذلك نقول لكل مسلم: معذرة أخي الحبيب.. عُدْ فصم؛ فإنك لم تَصُم كما ينبغي، فأحسِن إلى نفسك بإحسان الصيام وإتقانه، فجدِّد أخي صيامك وأعدَّه من جديد، وفق ما أراد الله وشرع لنا، فهل نويت الصيام أم تنوي معي الآن نية الصيام كما يحب ربنا ويرضى؟!.
أي صيام؟!
نعم نويت الصيام.. لكن أي صيام؟! الغالبية منا يركِّزون في صيامهم على تحقق ركن الصيام الأساسي من الامتناع عن الطعام والشراب والجماع من الفجر إلى المغرب، وهذا ما تعارف عليه المسلمون ويحافظون عليه، وفيه قال ميمون بن مهران "إن أهون الصوم ترك الطعام والشراب" وقد يرتقي المسلم في صيامه فيضيف إلى ما سبق أن يمتنع عن معصية الله عز وجل طوال اليوم بما يحقق له التقوى المنشودة ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾ (البقرة).
أريدك أخي الحبيب أن تشاركني فيما أردته من صومي، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يحقق منزلة التقوى، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يجلب لي رحمة الله ومغفرته وعتقه من النيران، لقد نويت الصيام في رمضان صيامًا يرتقي بصاحبه في درجات الجنان، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يمنع صاحبه من الوقوع في معاصي الله مساءً وصباحًا، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يخرجني شخصًا آخر بعد رمضان، لقد نويت الصيام في رمضان صومًا يقترب بي من صوم خصوص الخصوص؛ بأن يصوم القلب عما سوى الله عز وجل، فلا يفكر إلا في الله ولا يتعلق قلبه إلا بالله، هذا هو الصوم الذي نويت صيامه في رمضان، يقول الشاعر:
أهل الخصوص من الصوام صومهمم *** صون اللسان عن البهتان والكذب
والعارفون وأهل الأنس صومهمو *** صون القلوب عن الأغيار والحجب
نويت الصيام
إليك أخي الحبيب صور الصيام الذي نويته في رمضان:
* نويت الصيام في رمضان إيمانًا واحتسابًا.. إيمانًا بوجوبه.. واحتسابًا واستشعارًا بالأجر عند الله؛ انطلاقًا من قوله صلى الله عليه وسلم: "الغيبة تفسد الصوم" ولن أقع في السخرية أو اللمز والغمز أو التنابز بالألقاب؛ لقوله تعالى: ﴿وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ﴾ (الحجرات: من الآية 11)، ولن أقع في لعنة الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء"، وسأجعل الصوم حاكمًا على لساني وحابسًا له؛ حتى لا يكون سببًا في المؤاخذة بين يدي الله، متذكرًا قول الحبيب: "وهل يكب الناس على وجوههم يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم".
* نويت الصيام في رمضان.. فلن أسمح لأذني أن تصول وتجول في كل ميدان تتسمَّع فيه ما يغضب الله، بل هو كفُّ السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه؛ لأن كل ما حرُم قوله حرُم الإصغاء إليه؛ لقوله تعالى ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ (التوبة: من الآية 47)، ولقوله ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ (الأنعام: من الآية 68)، قال الحارث المحاسبي: "وليس من جارحة أشد ضررًا على العبد بعد لسانه من سمعه؛ لأنه أسرعُ رسول إلى القلب، وأقربُ وقوعًا في الفتنة، "ولن أسمح لأذني أن تتسمَّع لكل ما هو حرام من أغانٍ ومجونٍ وفحش قول، وغيبة ونميمة؛ امتثالاً لوصية عمرو بن عتبة: "نزِّه سمعك عن استماع الخنا كما تنزِّه لسانك عن الكلام به، فإن السامع شريك القائل"، وقد أجمع علماء القلوب على أن طول الاستماع إلى الباطل يطفئ حلاوة الطاعة من القلب، وأن حب الغناء وترديده والتعلق به يصرف عن العبد أنوار القرآن وحلاوة الذكر، قال عبد الله بن مسعود: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل".
* نويت الصيام في رمضان.. فلن أبالغ في الاستماع للأناشيد والكلمات التي لا فحش فيها ولا سوء؛ لأن التجاوز فيها عن الحدِّ والترنُّم بها في الخلوات بديلاً عن الترنم بآيات القرآن؛ يؤدي عكس المطلوب منها ويضر بصاحبها.
* نويت الصيام في رمضان.. فلن أطلق العنان لبصري صباحًا أو مساءً، بل سأكفُّه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويُكرَه، وإلى كل ما يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله عز وجل، مستشعرًا قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفًا من الله آتاه الله إيمانًا يجد حلاوته في قلبه".
* نويت الصيام في رمضان.. بأن أجعل سيري ومشيي لله، إما في حاجة مسلم؛ لقوله: "ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام"، وإما في عيادة مسلم؛ لقوله: "إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة"، وإما في اتباع جنازة؛ لقوله: "من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الأجر قيراط، ومن مشى مع الجنازة حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، والقيراط مثل أحد"، وإما إلى مسجد للصلاة؛ لقوله: "أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم إليها ممشى" وقوله "من مشى إلى صلاة مكتوبة في الجماعة فهي كحجة، ومن مشى إلى صلاة تطوع فهي كعمرة نافلة" وإما زيارة أخ في الله "زار رجل أخًا له في قرية، فأرصد الله له ملكًا على مدرجته، فقال: أين تريد؟ قال: أخًا لي في هذه القرية، فقال: هل له عليك من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحبه في الله. قال: فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته"، وإما في دعوة الخلق وهداية الناس؛ لقوله "من دعا إلى هدى فله أجرها وأجر من علم بها إلى يوم القيامة"، وإما جهادًا ودعوة في سبيل الله؛ لقوله "ما اغبرَّت قدما عبد في سبيل الله إلا حرَّم الله عليه النار"، وإما سعيًا في طلب الرزق "إن الله تعالى يحب أن يرى عبده تعبًا في طلب الحلال" وإما سعيًا في طلب العلم؛ لقوله "من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع".
* نويت الصيام في رمضان.. بأن أجعل يدي يدًا عليا، تعمل الصالحات وتحرث الخير، أو ترحم وتعطف وتحنو؛ لقوله "وامسح رأس اليتيم"، أو تعمل في الكسب؛ لقوله: "أطيب الكسب عمل الرجل بيده"، أو تكتب خيرًا للناس، أو تتصدَّق بصدقة، أو ترفع للإسلام رايةً، أو تميط الأذى عن الطريق، أو تصافح المؤمنين لتتناثر الذنوب مع المصافحة؛ لقوله "إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلَّم عليه وأخذ بيده فصافحه؛ تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر"، وألا أجعلها يدًا سفلى تعبث في المعاصي، أو تخطَّ حرفًا في حرام أو تكتب ما يغضب الله في صحيفة أو عبر النت، أو تحرِّك شهوةً، أو تقدِّم رشوةً، أو ترفع سلاحًا على مسلم، أو أن تبطش به ظلمًا وجورًا، أو تُعين على معصية، أو أن تزني لقوله: "واليد زناها اللمس" وقوله "واليد زناها البطش"، أو أن تمس امرأة أجنبية.
* نويت الصيام في رمضان.. فلا شهوة للبطن في رمضان، فلن أُكثر من الطعام وإن كان حلالاً، ولن أملأ جوفي منه، بل صيام بلا سرف في طعام وشراب لقول الفاروق عمر "إياكم والبطنة في الطعام والشراب؛ فإنها مفسدة للجسد، مورِّثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما؛ فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف، وإن الله تعالى ليبغض الحبر السمين، وإن الرجل لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه".
* نويت الصيام في رمضان.. بكف كل الجوارح عن الآثام، سواءٌ الأذن أو العين أو اللسان أو اليد أو الرجل أو البطن أو غير ذلك، والكفّ لها عن الشهوات والشبهات على السواء، وسأسعى لكسر الشهوة بالليل كما كسرتها بالنهار، ولله درُّ جابر حين قال: "إذا صُمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودعْ أذى الجار، وليكُن عليك وقارٌ وسكينةٌ يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء"، لله در الحكيم: "مثل القلب مثل بيت له ستة أبواب، فاحذر أن يدخل عليك من أحد الأبواب شيء، فيفسد عليك البيت، فالقلب هو البيت، والأبواب: اللسان، والبصر، والسمع، والشم، واليدان، والرجلان، فمتى انفتح باب من هذه الأبواب بغير علم ضاع البيت"، فمن جمع بين صوم البطن والفرج والجوارح فقد فاز وسبق غيره من الصائمين، وإلا فما أرخص الصوم الزائف.
إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غضُّ وفي منطقي صمت
فحظي إذًا من صومي الجوع والظمأ وإن قلت أني صمت يومي فما صمتُ
هكذا نويت الصيام في رمضان، فهل تنوي معي أخي الكريم أن نصوم رمضان هذا العام بهذه الكيفية، وأن نجعل صيام رمضان هذا العام مختلفًا عن سابقه؟