مشاركة: مسؤولية البنك عن الخزائن الخاصة
ثانيا حدود إلتزامات المصرف:
تمثل إلتزامات المصرف في وجهها الآخر حقوقا للعميل تمكنه من الإنتفاع بالخزانة وتضمن له سلامة محتوياتها، وليس للمصرف وفقا لذلك ان يمنع العميل من إستعمال الخزانة، أو ان يفرغ محتوياتها، إلا وفق إستثناءات محددة حرصت بعض التشريعات على إيرادها، كما هو الحال في القانون المصري الذي حسم الكثير من المشاكل الناشئة عن هذا العقد وخاصة فيما يتعلق بالحجز على الخزانة.
ويمثل الحجز حالة يضطر معها المصرف لمنع العميل من إستعمال الخزانة، كما قد تدفعه الضرورة أيضا إلى فتح الخزانة وافراغ محتوياتها لضمان سلامتها أو لإقتضاء حقوقه في الأجرة وقد يكون على المصرف كذلك أن يفشي ببعض المعلومات المتعلقة بالخزانة بناء على إجراءات قضائية نظمها المشرع بالخصوص.
وسنحأول الآن أن نتبين الحالات التي تتطلب من المصرف أن يخرق إلتزاماته في مواجهة العميل.
1. الإضطرار إلى فتح الخزانة.
قد يحدث أن يتهدد الخزانة ومحتوياتها أو المكان الموجودة به خطر فيتطلب الأمر مع تعذر نقلها، أن يضطر المصرف إلى فتحها وإفراغ محتوياتها.
ومثل هذا الإجراء الذي يمكن أن يقوم به المصرف لا ينظر له من زأوية خرقه لالتزامه بعدم فتح الخزانة ولكن من زأوية واجبة في حراسة الخزانة والحفاظ على محتوياتها، إذ هو يمثل في الواقع حرصا على تنفيذ الإلتزام بالحفظ.
والهدف من السماح بعدم فتح الخزانة من غير العميل هو المحافظة على المحتويات على سريتها وعندما لا يكون أمام المصرف خيار آخر لتحقيق ذلك إلا بفتح الخزانة وإفراغها فإن ذلك ضرورة يستلزمها تنفيذ اهم الواجبات الملقاة على عاتق المصرف.
ويبدو أن المصرف مطالب في مثل هذه الحالات بالتدخل وإلا قامت مسئوليته، شريطة أن يكون تدخله هذا محددا بحالة الضرورة لمنع وقوع الضرر وحتى في هذه الأحوال فإن بعض التشريعات قد حرصت على ضرورة إتباع إجراءات وتوافر شروط لابد من القيام بها.
ومن ذلك المشرع المصري الذي تصدى لتنظيم هذه الحالة في المادة 318/3 من قانون التجارة الجديد وفرق بين حالتين:
الحالة الأولى .. وهي التي يكون فيها الخطر حالا لا يحتمل القيام بأي إجراءات لإبلاغ العميل فيجوز للمصرف وعلى مسئوليته فتح الخزانة وإفراغها أو سحب الأشياء الخطرة منها دون إخطار العميل أو الحصول على إذن من القاضي.
أما الحالة الثانية .. فيشترط فيها تواجد خطر أيضا ولكن ظروف الحال تسمح بإخطار العميل بذلك فعندها يتعين على المصرف أن يقوم بذلك ويطلب من العميل بمعرفته إفراغ الخزانة، فإذا حضر العميل كان بها، وإذا لم يحضر جاز للمصرف أن يطلب من القاضي المختص إصدار امر على عريضة بالإذن له في فتح الخزانة وإفراغ محتوياتها أو سحب الأشياء الخطرة منها، وذلك بحضور من يعينه القاضي لذلك، ويتم تحرير محضر بالواقعة يشتمل على بيان محتويات الخزانة.
ويلاحظ هنا في الحالة الأولى أن المشرع قد ترك الأمر جوازيا للمصرف فله أن يقوم به أو ألا يقوم وهو في كلتا الحالتين سيتحمل مسؤولية الضرر سواء الناجم عن الفتح وإفراغ الخزانة أو عن تقاعس المصرف عن إنقاذ الخزانة.
فإذا ما قام بفتحها وإفراغ محتوياتها يتعين عليه أن يحصر المحتويات وينقلها إلى مكان آمن ويلاحظ أن نص المادة 318/3 لم يلزم المصرف بتحرير محضر حول الواقعة وحصر الموجودات، ونرى ان ذلك اجراء لازم يتعين على المصرف أن يقوم به لحماية نفسه من المساءلة.
اما إذا لم يقم بإنقاذ المحتويات مع وجود الخطر الحال وحدث ان ترتب على ذلك ضرر للمحتويات فإن المسؤولية كما سنرى ستقوم في حق المصرف، إذ يتعين عليه أن يثبت قيام قوة قاهرة حالت دون ودون تنفيذ إلتزامه بالحفظ.
كما ان من المشاكل المتوقع إثارتها عند قيام المسؤولية تقدير ما إذا كان الخطر حالا ووشيكا أو انه من نوع الخطر الذي يتحمل معه الأمر إخطار العميل أو اللجوء للقضاء للأمر بفتح الخزانة.
2. فتح الخزانة عند عدم دفع الأجرة
في الحالة التي لا يفي فيها مستعمل الخزانة بالأجرة المتفق عليها في مواعيدها يقوم للمصرف الحق في إنهاء العقد واسترداد الخزانة، وتضمن الموجودات مقدار الدين الذي للمصرف على العميل.
وقد عالج كل من المشرع الليبي والمصري هذه الحالة بأحكام لها نفس الغاية ولكنها تختلف في إجراءاتها، فقد ألزم المشرع الليبي في المادة 230 في القانون التجاري المصرف في حالة إنقضاء اجل العقد( ) ان ينذر العميل بذلك وبعد ستة أشهر من الإنذار جاز له ان يطلب من القاضي الجزائي الاذن في فتح الخزانة. ويجري الفتح بمساعدة محرر عقود يعين لمثل هذا الغرض مع إتخاذ الإجراءات التي يراها القاضي الجزائي ملائمة، كما يجوز للقاضي الجزائي أن يأمر بالمحافظة على الأشياء الموجودة في الخزانة كما يجوز له أن يأمر ببيع جزء منها بقدر ما يكفي لإستيفاء ما للمصرف من حقوق في الأجرة والمصاريف.
أما المشرع المصري فقد نص في المادة 319 من قانون التجارة الجديد على انه إذا لم تدفع الأجرة في مواعيد استحقاقها جاز للمصرف بعد ثلاثين يوما من إخطار العميل بالدفع أن يعتبر العقد منتهيا من تلقاء نفسه ويسترد المصرف الخزانة بعد إخطار العميل بالحضور لفتحها وافراغ محتوياتها.
وفي الحالة التي لا يحضر فيها العميل رغم إخطاره يجوز للمصرف أن يطلب من القاضي المختص اصدار امر على عريضة بالإذن له في فتح الخزانة وإفراغ محتوياتها بحضور من يعينه القاضي لذلك، ويحرر محضرا بالواقعة تذكر فيه محتويات الخزانة، وللقاضي أن يأمر بإيداع المحتويات عند المصرف أو عند أمين يعينه لذلك.
وقد أعطي المشرع المصري للمصرف حق حبس الخزانة وقرر له حق إمتياز على الثمن الناتج عن بيعها لإستيفاء الأجرة والمصاريف المستحقة له.
3. إعطاء المصرف معلومات حول الخزانة.
بموجب مبدأ السر المصرفي الذي يطبع كل أعمال المصارف فإنها تلتزم بعدم إعطاء أية بيانات أو افشاء اسرار لأي عميل لديها، وينسحب هذا الأمر على الخزائن ايضا، وقد أكدت ذلك المادة (1) من القانون رقم 205 لسنة 1990 في شأن سرية الحسابات( ) بالبنوك بمصر.
غير أن المادة الثالثة من نفس القانون المشار إليه قد أعطت للنائب العام أو لمن يفوضه من المحامين العامين الأول على الأقل سواء من تلقاء نفسه أو بناء على طلب جهة رسمية من أحد ذوي الشأن أن يطلب من محكمة استئناف القاهرة الأمر بالاطلاع أو الحصول على اية بيانات أو معلومات تتعلق بالحسابات أو الودائع أو الأمانات أو الخزائن وذلك في حالتين محددتين وهما:
1. إذا اقتضى ذلك كشف الحقيقة في جناية أو جنحة قامت الدلائل الجدية على وقوعها.
2. التقرير بما في الذمة بمناسبة حجز موقع لدى أحد البنوك الخاضعة لأحكام هذا القانون( ).
ومن الواضح أن هذه المادة تلزم المصرف بان يقدم المعلومات المطلوبة منه حول أصحاب الخزائن لديها، إلا أن ذلك لا يتم إلا وفق الإجراءات المرسومة وبتدخل الجهات القضائية المحددة في المادة.
4. الحجز على الخزانة.
يتعلق الحجز على الخزانة لدى المصرف بحقوق دائني العميل التي ضمنها لهم القانون، وهي واجبة الأعمال وفق ما تسمح به الأحكام القانونية المتعلقة بذلك.
والحجز على الخزائن جائز لأن في منعه إخلال بحقوق الدائنين المكفولة بالقانون وسبيل للإفلات من إجراءات التنفيذ المرسومة جبرا( ).
غير أن هناك جملة إعتبارات تحيط بالتنفيذ على الخزائن لها أثرها الكبير في تحديد نوع الحجز وفعاليته وذلك في غياب نصوص خاصة تنظم نصوص خاصة تنظم هذه المسألة في بعض التشريعات، وهو ما جعل الفقه يثري موضوع الحجز بآراءه المتنوعة والتي تنطلق من تكييف العقد.
ومن هذه الإعتبارات أن المصرف إنما يقدم الخزانة للعميل للإنتفاع بها دون أن يكون له علم بما تحتويه الخزانة أو يكون له حق فتحها أو السماح لغير العميل بإستعمالها.
كما ان المصرف يلتزم بمبدأ السر المصرفي الذي يشمل هذه العملية، ولا يمكن خرق هذا المبدأ إلا وفق الإستثناءات التي حددها المشرع وبالإجراءات الواجب اتباعها.
وعلى هذا الأساس فإن الفقه كان يعارض في الحجز على الخزانة بما للمدين لدى الغير لتعذر الإقرار بما في الذمة اللازمة لهذا الحجز.
أما فيما يخص الحجز التحفظي والحجز التنفيذي فإن السبيل مفتوح امامها وفق ما يقرره القانون إلا انها تختلف في مدى فائدتها بالنسبة للدائنين، فالحجز التحفظي هو الأجدى فيما يتعلق بالمحافظة على كمية وقيمة الموجودات بالخزانة.
إذ أن عدم حاجته إلى إخطار العميل لا يسمح له بالعلم المسبق بالحجز ولا يترك له فرصة لإفراغ محتويات الخزانة أو انقاصها.
أما الحجز التنفيذي وبما تحيط به من إجراءات وحاجته إلى إخطار العميل فإنه يترك لهذا الأجير فرصة تدبر أمره قبل توقيع الحجز مما يضر بحقوق الدائنين والذي يهمنا في الموضوع هو أن المصرف في أحوال الحجز سيكون ملزما بخرق التزامه العقدي بتمكين العميل من إستعمال الخزانة، ومرغما على منعه من فتحها.
والواقع أنه لا توجد أية عقبات قانونية امام توقيع اي نوع من انواع الحجز، ذلك ان ما في الخزانة هو جزء من ذمة العميل المالية التي تكون مشغولة بحقوق الدائنين وبالتالي فهي ضامنة لهذه الحقوق.
وأيا ما كان تكييف العقد فإنه إذا ما تم الحجز وفق الاجراءات التي حددها المشرع فليس للمصرف إلا أن يستجيب لذلك ويمنع العميل من إستعمال الخزانة.
أما فائدة الحجز بالنسبة للدائن أو امكانية قيامه بالصورة المطلوبة فتخضع لإعتبارات عملية اكثر منها قانونية( ).
وقد حسم المشرع المصري في قانون التجارة الجديد( ) هذا الأمر ولم يبقي من فائدة في الجدل حول تكييف عقد الخزائن بأن أقر في المادة 321/1 جواز توقيع الحجز التحفظي أو الحجز التنفيذي على الخزانة.
وقرر في الفقرة الثانية من نفس المادة بان الحجز يوقع بتبليغ المصرف مضمون السند الذي يتم الحجز بموجبه، مع تكليفه بالتقرير عما إذا كان يؤجر خزانة للمحجوز عليه. وألزم المصرف بمجرد تسليمه التبليغ أن يخطر صاحب الخزانة فورا بتوقيع الحجز وأن يمنعه من إستعمالها.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله
if you fail to plan you plan to fail
كلنا نملك القدرة علي إنجاز ما نريد و تحقيق ما نستحق
محمد عبد الحكيم